مسار عبد اللطيف وهبي السياسي يمكن قراءته على ضوء بيان الديوان الملكي الصادر يوم الأربعاء 11 مارس 2020 عندما استقبل الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالدار البيضاء وهبي “بطلب منه” بعد انتخابه أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة.
إشارة بلاغ الديوان الملكي بالعبارة: “بطلب منه”، ليست عفوية، ولكنها تحمل ما تحمل من مغزى.
مغزى لخصته برقية التهنئة الصادرة عن الديوان الملكي، بحيث لم تذكر شيئا من قبيل الإشادة بأية مناقب أو مواقف سياسية أو نضال مشهود به لولد تارودانت، والمحامي اللي تيعرف مزيان من أين تؤكل الكتف حتى ولو أنه ما تيعرفش يدوي..
البرقية الملكية اكتفت بالقول: “على إثر انتخابك أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة، نتقدم إليك بتهانئنا، مشفوعة بمتمنياتنا بكامل التوفيق في مهامك الحزبية الجديدة”!
وهبي الذي وجد نفسه ذاك الفصل الربيعي من تلك السنة (2020) دون أن يكون يتوقع ذلك، على رأس أكبر حزب إداري خارج من رحم السلطة (بام).
حزب يدبر أو يشارك في إدارة العشرات من المجالس الجماعية والجهوية، بالإضافة إلى توفره على العشرات من النواب البرلمانيين بالغرفتين.
وهبي لم يصل إلى ما وصل إليه بسبب نضال لا يشق له غبار، أو بسبب توفره على رؤية وأجندة سياسية يستطيع بها ملأ فراغ مهول تعيشه الساحة السياسية الوطنية، منذ المنعرج التاريخي الذي بدأ تحديدا سنة 2016، بعد إفشال مسعى عبدالإله بنكيران في تشكيل حكومته.
وهبي فقط جنَى ثمرة كانت ناضجة بعد فشل قيادة “التراكتور” السابقة في تزعم انتخابات 2016، رغم الدعم الباذخ الذي تلقاه الحزب من الإدارة، والعهدة على خصومه وأولهم حزب “الإسلاميين” الذي لطالما ندد بذلك، مع أن ذاك الدعم لم يؤت أكله أمام سطوة “البيجيدي” الذي كان ما يزال في عنفوانه بقيادة بنكيران، صاحب الكاريزما، الذي استغل فراغ الميدان من منافس على نفس مستوى شراسته ودهائه.
فشَلُ “البام” جرّ على تلك القيادة غضب السلطة، ولو تلميحا وعبْر رسائل سياسية، وهو ما التقطه قادة حزب الأصالة والمعاصرة، فعملوا على إصلاح، وتصحيح ما يمكن تصحيحه داخل “بيتهم”، فتفرقوا شيعا، وانقسموا في ما بينهم لتكون الغلبة في الأخير لجناح عبداللطيف الذي برز كسياسي “عظيم”، بينما كانت تلك “العظمة” والنجومية من صنع امرأة حديدية تضاهي كل القيادات الذكورية لـ”البام”، اسمها فاطمة الزهراء المنصوري، التي استطاعت سحب البساط من تحت أقدام الأمين العام السابق عبدالحكيم بنشماش لصالح ولد تارودانت..
وهبي.. يساري بالجبهة!
الذين يعرفون عبداللطيف وهبي زعيم حزب “البّام” حاليا ووزير العدل، ينفون عنه أنه مناضل يساري، رغم أنه شخصيا يردد أنه انضم لحزب “القوات الشعبية” منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما كان فتى يافعا في مرحلة الإعدادي؛ لكن من ينفون عنه صفة “اليساري” يعتبرون أن كل ما يربطه بـ”اليسار” هو تمرينه بمكتب أحمد بنجلون اليساري وشقيق عمر بنجلون القيادي الراحل في صفوف “الاتحاد الاشتراكي”.
لما نال عبداللطيف شهادة الإجازة في الحقوق من جامعة محمد الخامس، كانت الطريق معبدة وقتئذ لممارسة المحاماة وبدون امتحان كما اليوم، إذ يكفي فقط أن يقبلك محام كمتمرن بمكتبه لمدة سنتين، وهكذا التحق في سنة 1989 بمكتب أحمد بنجلون كمتمرن؛ في تلك السنوات اللي كان فيها “الاتحاد” اتحادا، وكان “اليسار” بأنيابه، حينها اختار عبداللطيف وهبي لمكتب بنجلون لغرض في نفسه، وهي الحاجة ل “التوني” اليساري، حيث احتك بأسماء اتحادية بعضها كان “مخزز”، و”راديكالي” .
في نفس السنة (1989) أسس أحمد بنجلون حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي، وكانت هادي فرصة لوهبي باش يقفز شويا للطليعة (للقُدام)، فكان موقعه كمتمرن في مكتب مؤسس الحزب الطليعي تيسمح لو باش يطلع على ملفات سياسية.
لاحقا خدمه ذلك في الترافع في بعض الملفات اللي كان عندها بعض الصدى على المستوى الوطني، وخاصة ما عرف بالحملة التطهيرية اللي كانت في 1996، وهذا ما سمح بكسب شهرة مهنية عاوناتو باش يدير بلاصتو (مكتبو) في وسط العاصمة.. وماعدا هاد الشي، فليس هناك دور تنظيمي بارز لوهبي كسياسي يساري في أي حزب قبل “البام” اللي يعتبر “قوسقُزحي” في مسألة الإيديولوجية والعقيدة السياسية..
الوزير.. السليط اللسان!
راكم وهبي العديد من الزلات القاتلة، بشكل كبير، لم يسبقه أحد إليه من الوزراء، من حيث الرعونة و “جيب يا فم وكول”..
نحن بصدد زلات متواترة لا تنتهي لـ”زعيم” سياسي خريج حزب الدولة المدلل، والتي آخرها أنه “واحد لاباس عليه وخلص على ولدو باش يكمل قرايتو في كندا”..
التصريح رد فيه على فضيحة امتحان الأهلية لممارسة مهنة المحاماة، اللي نجح فيها ابنه وأبناء شخصيات من سلك المحاماة والقضاء؛ واللي باش تثبت الحكومة أنها فعلا كانت فيها اختلالات حتى لا نقول شي حاجة كْثر، وبعد احتجاجات واعتصامات للمرشحين “الراسبين” اللي اتهموا وزارة العدل ووهبي شخصيا بالمسؤولية على تلك التجاوزات، فإنها عملت على تنظيم امتحان آخر بعد أسابيع معدودة، وظهرت الحكومة في موقف “يكاد المريب يقول خذوني”!!
رعونة وهبي لم تتوقف عند هاد الحد، بل استغل مروره بعد ذلك بقناة تلفزيون عمومي هي “دوزيم” في خضم النقاش والجدال اللي ثار حول امتحان أهلية مزاولة مهنة المحاماة، ووصف منتقديه بـ”التافهين”، دون أن تتدخل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وتردع صاحب البرنامج، والقناة.
من بينها زلّات وهبي أيضا أنه هدد المواطنين مباشرة بعد أن أصبح وزيرا بعد أيام فقط بأنه يعرف حتى “لون تقاشرهم” (جواربهم)، وأن كل الأجهزة يعني المخابرات تعمل معه، متحدثا بـ”أنا” مَرَضية . وأتبع تلك الخرجة بخرجات غير مسؤولة لا عدّ ولا حصر لها، من بينها تسريب صوتي منسوب له، يعِد فيه أحد الأشخاص بأنه سيعالج ملفاته في المحكمة بطريقتها الخاصة و”مِن تحتها”..
ولكن لكبيرة هي حين قال ذاك التصريح الخبيث، والبليد، والمثير، بعدما سؤال بشأن إجراء تحليل الحمض النووي لإثبات النسب الـ”ADN”.
وهبي قال ” يلا درناه… لمغربي يبقى غادي.. وتابعينو عشرين درِّي..” هكذا بكل صفاقة.. بل وأتبعها بضحكات مستفزة.