تبدأ رحلة الزواج بقرار يجمع بين شخصين يسعيان لبناء حياة مشتركة، وغالبًا ما يكون هذا القرار محملًا بالأمل والتفاؤل. إلا أنّ معدّلات الطلاق في العالم بشكل عام وفي المجتمعات العربية بشكل خاص، ارتفعت بشكل مقلق خلال السنوات الأخيرة.
وفي المغرب، يعتبر هذا الموضوع من المواضيع الحساسة والمحظورة، فيما يطرح مشكلة حقيقية تواجه العديد من الأزواج وتؤثر بشكل كبير على حياتهم الزوجية والعائلية.
في هذا التحقيق، سنحاول استكشاف أسباب الزيادة المقلقة في حالات الطلاق في المجتمع المغربي، ومن بينها مشكلات الجنس التي تنتج عنها العديد من المشاكل والخلافات بين الأزواج. سنحاول الكشف عن تفاصيل تلك المشكلات ومدى تأثيرها على حياة الأزواج وعائلاتهم، مُستعينين في ذلك بآراء وشهادات خبراء في علم النفس والعلاقات الاجتماعية، وكذلك شهادات من أشخاص عاشوا تجربة الطلاق بسبب تلك المشكلات.
تنويه : نأمل أن يُسهم هذا التحقيق في زيادة الوعي حول “أهمية الحوار” في الحفاظ على العلاقة الزوجية والأسرة، والتشجيع على إيجاد حلول للمشكلات المطروحة، لتفادي الطلاق الذي يترك آثاره السلبية على حياة الأزواج والأطفال.
الحب والزواج..ثم ماذا بعد ؟
الحب والزواج”، كلمتان يراهما البعض شاعريتين ورومانسيتين، لكن هذا المعطى يفتقد الكثير من الواقعية والصراحة. عند الغوص في الحياة الزوجية، يكتشف الأزواج العديد من المطبات والصعوبات، فضلا عن كم هائل من التحديات اليومية.
وفي الوقت الذي يبدو فيه الحب والرومانسية وكأنهما يسيطران على العلاقة الزوجية في بدايتها، فإن العديد من الأزواج يجدون صعوبة في المحافظة على هذه الروح الرومانسية والعلاقة المتينة والمستدامة مع مرور الزمن. ومع ذلك، فإن الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق في المغرب لا تقتصر فقط على المشاكل الزوجية والصعوبات المادية، بل يمكن أن تتضمن أيضًا مشاكل جنسية وعدم توافق في الشخصيات والقيم والثقافات.
عندما تصبح حياة الزوجين ملكًا للعائلة
في العديد من الأحيان، تصبح حياة الزوجين ملكًا للأسرة بشكل أو بآخر، حيث يتدخل أفراد العائلة في شؤونهما الخاصة ويحاولون التحكم في حياتهما الزوجية. هذا التدخل العائلي يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في العلاقة الزوجية، ويتسبب في العديد من المشاكل التي تؤدي في بعض الأحيان إلى الطلاق. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يحدث التدخل العائلي عندما يحاول أحد الأهل فرض رأيه في قرارات الزوجين المهمة، مثل مكان السكن أو التعليم أو حتى الحياة الجنسية، مما يجعل الزوجين يشعران بالاحباط والضغط.
وبغض النظر عن مدى قرب العائلة وصلة الدم بين أفرادها، فإن هذا التدخل غير المرغوب في الحياة الزوجية يمكن أن يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية. لذلك، يجب أن تحترم “الجماعة العائلية” حياة الزوجين، وأن تترك لهما حرية اتخاذ القرارات الخاصة بهما.
في مقابل ذلك، يتوجب على الزوجين أيضا، التحدث بصراحة والتعبير عن رغباتهما بدون خوف من رد فعل “هاته الجماعة”، فالتفاهم والصراحة هما السبيل لحل العديد من المشاكل الزوجية.
وفي هذا السياق، يقول الخبير المغربي في علم الاجتماع، الدكتور محمد السعيدي الكتاني، “يجب على العائلة احترام الحياة الخاصة للأزواج والامتناع عن التدخل في شؤونهما الخاصة، فالتدخل في حياة الزوجين يؤدي إلى تقليل الثقة بينهما ويسبب الكثير من الخلافات والمشاكل”.
من جهته، يرى الدكتور محمد الزواوي “استشاري علاقات زوجية”، أن “التدخل العائلي يمكن أن يكون إيجابيًا إذا كان بشكل محدود وداعم للزوجين، حيث يساعد الوالدين أو أقارب الزوجين في تجاوز بعض الصعوبات التي يمكن أن يواجهانها في حياتهما الزوجية”.
ومن المؤكد أن النقاش حول تدخل العائلة في حياة الزوجين لا يزال مستمرًا، إلا أن الحل الأمثل هو الحفاظ على حياة الزوجين الخاصة وعدم التدخل في شؤونهما الخاصة، مما سيساعد على بناء علاقة زوجية صحية ومستقرة.
العنف الزوجي..سببٌ من أسباب الطلاق
العنف الذي يمارسه الزوج ضد زوجته يعد من أشد أنواع الاعتداء الجسدي والنفسي، الذي يترك آثاراً وخيمة على حياة الأزواج والأطفال. وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية في المغرب، فإن حوالي 30% من النساء المتزوجات يعانين من العنف الزوجي في بعض مراحل حياتهن الزوجية.
ويؤكد خبراء علم الاجتماع ” أن الضرب والعنف لا يؤثران فقط على الشخص المعني به، بل يؤثران أيضا على بقية أفراد الأسرة ويزيدان من توتر الحياة الزوجية وتدهور العلاقة الزوجية.
وتشير الدراسات إلى أن الأسباب الرئيسية للعنف الزوجي تشمل الفقر وغياب الاستقرار المالي والاجتماعي، بالإضافة إلى تحولات القيم الاجتماعية والتقلبات الاقتصادية التي يشهدها المجتمع المغربي.
في هذا السياق، يرى الدكتور محمد الشاذلي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء أن “الضرب والعنف هما نتيجة لثقافات وتقاليد اجتماعية مغربية موروثة تؤثر بشكل كبير على العلاقات الزوجية”. وأضاف أن “الحل يكمن في توعية الناس وتغيير القيم الاجتماعية والتربية الأسرية التي تحث على العنف والتمييز بين الجنسين”.
وتشير الدراسات إلى أن نسبة النساء اللواتي تعرضن للعنف الزوجي في المغرب تعتبر مرتفعة جدًا، ويتأثر الأطفال أيضًا بشكل كبير بالعنف الزوجي، إذ يشعرون بالخوف والقلق ويتعرضون لضغوط نفسية ونفسانية تؤثر على نموهم العقلي والنفسي. من هنا، فإن مكافحة العنف الزوجي يتطلب تضافر جهود جميع أفراد المجتمع، وإيجاد الحلول العملية التي تضمن حماية الأسرة وحفظ الحقوق والكرامة الإنسانية.
الخيانة الزوجية والطلاق
تأتي الخيانة الزوجية، في طليعة الأسباب المؤدية الى الطلاق في المجتمع المغربي. ويجري التعامل مع هذا الموضوع بشكل حساس بسبب الطابع الديني والثقافي للمجتمع المغربي، وهو ما يجعل الكثيرين يحاولون التستر على هذه المشكلة أو حتى تجاهلها. وفي الواقع، يؤدي عدم معالجة مشكل الخيانة الجنسية إلى انفصال الأزواج وحدوث خلافات عائلية قد تتسبب في انهيار الأسرة بأكملها.
ارتباطا بالموضوع، صرح الخبير الاجتماعي، الدكتور محمد العربي، قائلاً: “تتسبب الخيانة الزوجية في تدمير الثقة بين الزوجين وفي انحراف الزوج أو الزوجة عن واجباتهما الزوجية، مما يؤدي في النهاية إلى الطلاق”.
وأضاف الخبير النفسي، الدكتور عبد الرحمن الشرقاوي، أن “الخيانة الزوجية يمكن أن تؤدي إلى إصابة الزوجين بالاكتئاب وعدم الثقة بالآخرين، مما يؤثر سلبًا على حياتهما الشخصية والاجتماعية”.
ويشير المختصون إلى أن من الواجب على الزوجين تعزيز التواصل والثقة بينهما، والعمل على حل المشاكل بشكل منفتح وصادق، وعدم اللجوء إلى الخيانة الزوجية كحل لها.
الطلاق لأسباب تافهة..”مالك مزغب” ؟
في بعض الأحيان، تحدث حالات الطلاق في المغرب بسبب أسباب تافهة وغير منطقية، مما يؤثر على حياة الأزواج والأطفال بشكل سلبي. بعض هاته الأسباب تتعلق بالاختلافات البسيطة في الرأي أو العادات والتقاليد، سرعان ما تتحول الى شرارة تشعل النار في العلاقة الزوجية وتؤدي إلى الطلاق.
في هذا السياق وقفت “نيشان” لدى إنجازها لهذا التحقيق، على حالات طلاق كان السبب وراءها عدم تحمل أحد الأطراف لشخير الشريك أثناء النوم، أو لأن الشريك يأكل بصوت عالٍ، أو لأنه ينسى تنظيف الحمام بعد استخدامه، أو لأنه ينسى شراء بعض المواد الغذائية المطلوبة في البيت، أو لأن الشريك يقضي وقتًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، أو لأنه يتأخر في العودة إلى المنزل بعد العمل، وهكذا.
ومن الأمثلة الأخرى لحالات الطلاق لأسباب بسيطة بل ومضحكة، هي عدم رغبة الشريك في ممارسة الرياضة أو الذهاب إلى النادي الرياضي، أو لأنه يحرص على مشاهدة بعض البرامج التلفزيونية التي لا تعجب الطرف الآخر، أو لأنه يفضل النوم مبكرا، أو لأن الشريك يشتري الملابس دون استشارة الطرف الآخر، أو لأن الشريك يميل لتصفيف شعره بشكل غير مرضٍ، وغيرها من الأسباب التي يمكن أن تبدو تافهة للغاية وغير قادرة على تبرير حدوث طلاق.
في هذا الصدد، يرى الدكتور محمد السعدي، الخبير الاجتماعي المغربي، أن “الطلاق لا يجب أن يكون الحل الوحيد للمشاكل الزوجية، فهناك العديد من الطرق الأخرى المتاحة لحل الخلافات بشكل سلمي ومؤدٍ إلى استمرار العلاقة الزوجية”. وأضاف: “يجب على الأزواج التفكير بجدية قبل اتخاذ قرار الطلاق، وتجنب الانفعالات الزائدة التي قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات تافهة وغير منطقية”.
ويشير الدكتور عبد الرحيم الصمدي، الطبيب والاستشاري النفسي بمدينة أكادير، إلى أن “بعض الأزواج يفضلون الطلاق بدلاً من مواجهة المشاكل وحلها، وهذا يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلاً من حلها”. ويضيف: “الحل الأمثل لتفادي الطلاق الذي يحدث بسبب أسباب تافهة هو التواصل المستمر والصريح بين الزوجين، وتحديد الأولويات المشتركة، والعمل على تجاوز الخلافات”.
المشاكل الجنسية والطلاق
تشير دراسات عديدة إلى أن العوامل الجنسية تلعب دوراً في الطلاق أيضاً. بعض الأزواج يواجهون مشاكل جنسية مختلفة مثل ضعف الرغبة الجنسية، صعوبة الوصول للنشوة الجنسية، ومشاكل في الأداء الجنسي، وقد يكون ذلك سبباً في زيادة معدلات الطلاق. ويؤكد خبراء علم النفس والعلاقات الزوجية على ضرورة التحدث بصراحة وصدق حول هذه المسائل داخل العلاقة الزوجية، والعمل سوياً على إيجاد الحلول اللازمة لتخطي هذه المشاكل.
في هذا الاطار تحدثت “نيشان” الى بعض النساء المغربيات، اللواتي اعترفن بمعانتهن من غياب الخصوصية والمساحة الكافية للتعبير عن رغباتهن الجنسية، وكيف يؤثر ذلك على حياتهن الزوجية والعائلية بشكل كبير، ما يدفعهن في بعض الحالات إلى الطلاق. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الخجل والتقاليد الاجتماعية إلى عدم البوح بالمشاكل الجنسية، مما يجعلها تتفاقم وتؤدي إلى انهيار العلاقة الزوجية.
تقول السيدة “ف.أ” (عمرها 35 عامًا، من مدينة الدار البيضاء): “كنت أعاني من مشاكل جنسية مع زوجي، لم نكن نتفاهم بشأن الأمور الجنسية وكانت هذه المشكلة تؤثر سلبا على علاقتنا الزوجية بشكل كبير، وبالنهاية قررنا الانفصال”.
فيما تحدثت “ز.م” (عمرها 29 عامًا، من مدينة فاس): عن زوجها الذي يطلب منها ممارسة أنواع غريبة من الجنس، بما في ذلك الاستمناء الجماعي والتبول عليها. مردفة بالقول ” أنها حاولت الحديث معه لإيجاد تفاهم، لكنها واجهت تحاملًا وعدم احترام”.
من ناحية أخرى، تحدثت السيدة “ر.م” عن زوجها الذي يحاول فرض ممارسات جنسية غير مريحة عليها، ويطلب منها ممارسة الجنس معه في مكان عام وأماكن غير مألوفة، مثل المصاعد الكهربائية والمراحيض العامة. وأضافت: “أشعر بالإهانة والذل عندما يطلب مني مثل هذه الأمور الغريبة، ولا أستطيع الاستمرار في هذه العلاقة”.
وتحكي “س.إ” لـ “نيشان” والدموع تنهمر من عينيها :”كان زوجي يتوقع مني دائمًا أداءًا جنسيًا كبيرًا، ولأني لم أستطع تلبية مطالبه، بدأ يتعامل معي بطريقة سيئة ويقلل من قيمتي كإنسانة. هذا جعلني أشعر بالاستهانة والإهانة، ولم أعد أتحمل ذلك، لذا اتخذت قرارًا بالطلاق””
في الختام، يظهر أن موضوع الطلاق في المغرب يمثل تحديات وتعقيدات تتطلب فهماً شاملاً ومتوازناً. يتجلى الطلاق كظاهرة اجتماعية تتأثر بعدة عوامل، بدءًا من التقاليد والقيم الثقافية وصولاً إلى التحولات الاقتصادية والتطورات القانونية.
تضمنَ هذا التحقيق شهادات نساء تحدثن عن تجاربهن الشخصية، ولكن يتوجب أيضا الاستماع للرجال الذين يعانون من مشاكل مماثلة، في محاولة لفهم العوائق التي يواجهونها.