يبدو أن العلاقات المغربية الفرنسية التي تعاني من برود منذ نحو ثلاث سنوات، على المستوى الدبلوماسي في طريقها إلى الدفء وعودة المياه إلى مجاريها بين باريس والرباط.
أبرز مؤشرات تبدد سحب الأزمة من سماء العلاقات الثنائية بين البلدين، هو تسمية السفراء في العاصمتين، في الأسابيع الأخيرة، وتبادل زيارات الخبراء والمسؤولين لاسيما في مجالات الدفاع والقضاء والأمن، وآخر مثل هذه الزيارات هي زيارة مدير الشرطة الوطنية الفرنسية فريدريك فو إلى الرباط ولقائه بباطرون الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني (ديستي) يوم الثلاثاء 12 ديسمبر الفائت، عبداللطيف الحموشي، وهو الاسم اللي ظل يتردد في ثنايا الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا والمغرب واتهامه من طرف العديد من الجهات الفرنسية بالضلوع وراء التجسس على مسؤولين فرنسيين ومنهم حتى ساكن القصر الإيليزي نيكولا ساركوزي.
مصادر دبلوماسية أسرّت لنا بأن باريس أدركت أخيرا أن القطيعة مع المغرب لن تجدي نفعا في ضمان مصالحها، ولاسيما في بلدان جنوب الصحراء، وأن إمكانية التعويل على أي دور مفترض للجزائر في هذا الإطار، هو رهان خاسر، لاسيما في ظل تزايد أخطاء النظام الجزائري الذي يضع نصب أعينه منافسة المملكة المغربية على التواجد الإقليمي إفريقيا.
ذات المصادر أضافت أن الأوضاع في دول كمالي والنيجر وبوركينافاسو وغيرها من البلدان الإفريقية، التي قللت بشكل غير مسبوق التواجد الفرنسي بها، هي دول تربطها علاقات قوية مع المملكة المغربية، بعكس نظرة هذه الدول إلى الجزائر، التي ينتابها الشك والريب، خاصة في ظل ورود تقارير عدة بوجود ارتباطات لجماعات متطرفة مع أجنحة أمنية جزائرية، تعمل على إثارة الفوضى وتهديد الأمن بعدد من دول الساحل والصحراء.
في مقابل ذلك، تورد مصادرنا الدبلوماسية، أن سمعة المملكة المغربية التي بنيت على دبلوماسية تعاون جنوب-جنوب ورابح/رابح التي أسس لها الملك محمد السادس منذ سنوات، في إفريقيا، مسلحا بمؤسسات وشركات وطنية من قبيل المكتب الشريف للفوسفاط واتصالات المغرب والأبناك الكبرى (الشعبي وبنك إفريقي والتجاري وافا بنك)، جعلت من مملكة محمد السادس مخاطبا موثوقا به، ولذلك فإنه عندما تفضله بلاد كنيجيريا على الجزائر لتقيم معه مثلا أنبوب الغاز الممتد على طول آلاف الكيلومترات ويمر عبر ما لا يقل عن 12 بلدا، فإن ذلك يعني الشيء الكثير، ومن ذلك أن تعتمد باريس على الرباط في إعادة تحسين صورتها وتواجدها في بعض الدول الإفريقية التي “انقلبت” عليها.
وخلصت المصادر إلى أن الرباط استطاعت تطويق باريس بعلاقاتها المتصاعدة الآخذة في التطور بشكل ملفت مع جيرانها الأوروبيين من قبيل اسبانيا والبرتغال وبلجيكا وهولندا وبريطانيا وألمانيا، وهي كلها دول أظهرت مواقف مؤيدة في الغالب للطرح المغربي بخصوص قضية الصحراء، مما جعل فرنسا تشعر أنها تكاد تفقد صديقا هي الأولى أن ترسخ علاقاتها به بحكم التاريخ المديد لهذه العلاقات، ولذلك فإن ليس من طريق أفضل أن تعود باريس وتفتح صفحة جديدة مع الأجهزة الأمنية للمغرب وتعتمد عليها في تأمين الألعاب الأولمبية التي ستقام في باريس الصيف المقبل، كعربون على إعادة الثقة بين الطرفين.