أثار قرار لوزير الثقافة والشباب والتواصل محمد مهدي بنعسيد، بتقييد مجموعة من المباني التي تعود للقرن العشرين في مدينة الدار البيضاء، ضمن المآثر التاريخية، انتقادات في أوساط المهتمين بالتاريخ والتراث، الذين تساءلوا حول دواعي هذه التقييدات، سيما وأن هذه المباني تعود لملكية الخواص، ضمنها فيلات ومنازل وعمارات سكنية.
في السياق ذاته، تساءل هؤلاء أيضا عن المعايير التي اعتمدتها وزارة الثقافة، لتصنيف هاته المباني التي لا يتجاوز عمر أغلبها الـ 100 سنة في عداد المآثر التاريخية، في وقت كان يمكن فيه للوزارة توجيه هذا الجهد، صوب وضع استراتيجيات للترويج للمآثر الحقيقية في المغرب، بما يسهم في تعزيز العرض السياحي في الأسواق الدولية.
وأكد “محمد قرشي” وهو باحث في التاريخ والثرات في تصريح لـ “نيشان” “لا يمكن أن نفهم كيف يتم تصنيف بنايات حديثة بهذا الشكل، فالتاريخ يتطلب زمناً أطول لتحديد القيمة التاريخية للمباني”. مشيرا الى أن “عدد من البنايات المقيّدة لا تستحق هذا التصنيف، وأنه يجب إعادة النظر في المعايير المتبعة في هاته التصنيفات”.
من جانبه أشار محمد العلمي، رئيس جمعية ثرات وثقافة وبيئة، إلى أن “التصنيف يجب أن يستند إلى معايير دولية وشروط محددة، ولا يمكن تقييد البنايات بشكل عشوائي دون احترام هذه المعايير”.
وأضاف في اتصال هاتفي مع “نيشان” “أن منظمة اليونسكو تحدد معايير صارمة لتصنيف المواقع على قائمة التراث العالمي، حيث يجب أن يمتلك الموقع قيمة تاريخية، أو فنية، أو أثرية، أو علمية معينة. ويجب أن تتوافر في الموقع شروط محددة، مثل الاستثنائية العالمية، والتوافق مع معايير الصحة التي تحددها المنظمة، والحفاظ على الأصالة والتوازن البيئي والثقافي”.
وتابع المتحدث ذاته موضحا ” أن قرار وزير الثقافة المهدي بنعسيد يبدو “غير متوافق مع هذه المعايير الدولية، ويطرح علامات استفهام كثيرة، حول جدواه وفعاليته في حماية التراث الثقافي والمعماري للمدينة”.
بالتوزاي مع ذلك، استغربت فعاليات جمعوية بالمدنية، “تصنيف بنايات في ملكية الخواص، دون أن تعمد الوزارة الى اقتنائها القبلي على الأقل، بشكل يخدم المصلحة العامة عوضا عن المصلحة الخاصة”.
وحسب هؤلاء، كان بإمكان الوزارة الاكتفاء باتخاذ “إجراءات تشجيعية للمحافظة على هذا التراث – إن اعتبرناه تراثا” من خلال توفير حوافز لمُلاكه أو تشجيع الاستثمارات التي تحقق الحفاظ على السمة الأصيلة لتلك البنايات.” دون حاجة الى تصنيف بنايات حديثة على كونها مآثر تاريخية، حيث لن يسهم ذلك سوى في رفع قيمتها السوقية، واستفادة أصحابها، دون أن يتحقق للعامة أي فائدة سياحية أو ثقافية من هذا القرار”.
يُذكر ان هذه البنايات المصنفة حديثا ضمن الأثار التاريخية للقرن العشرين بالدار البيضاء، تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي، وأغلبها يحمل بصمة معمارية فرنسية.
ونص قرار لوزير الشباب و الثقافة والتواصل حمل رقم 3253.23 صادر في 12 من جمادى اآلخرة 1445 )26 ديسمبر2023( بتقييد مجموعة بنايات تاريخية للقرن العشرين بالدار البيضاء في عداد الآثار.
وشددت المادة الثانية من القرار، على أنه “لا يجوز إحداث أي تغيير كيفما كانت طبيعته في البنايات التاريخية، ما لم يعلم المالك أو الملاك بذلك المصالح المختصة بقطاع الثقافة، قبل التاريخ المقرر للشروع في الأعمال بستة أشهر على الأقل، وذلك طبقا لمقتضيات القانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات.