حين هدد لوبي التعليم الخاص بإضراب وطني في سابقة من نوعها، احتجاجا على اقتراب الحكومة من تهربه الضريبي، كانت النتيجة أن استفاد من تسهيلات جد مُريحة، ومن امتيازات إضافية جعلته يتمادي في ممارسات غير قانونية تنطوي على احتيال مالي.
نفس السيناريو وقع مع شركات المشروبات، والعصائر، التي كشرت عن أنيابها، وبعثت بتهديد صغير جعل الحكومة السابقة تنقلب على نفسها، وتُسارع لسحب التعديلات المتعلقة برفع نسبة الضريبة على استهلاك مشروبات السكر.
الأمر ذاته حدث مع لوبي المصحات الخاصة الذي هدد بوقف التعامل بالتغطية الصحية في حال لم تتم مراجعة التعريفة المرجعية للسماح له بمراكمة المزيد من الأرباح.
والنتيجة أن الحكومة سارعت لوضع مراجعة التعريفة ضمن أولوياتها.
في مقابل ذلك تغرق عدد من القطاعات التي تعني آلاف المغاربة بالاحتجاجات والإضرابات منذ شهور وسنوات دون أن تجد أي صدى حكومي، كما يحصل في قطاع “قلة الصحة”.
اليوم أيضا تستمر الأبناك في مواصلة أرباحها الضخمة في وقت تغرق فيه البلاد في المديونية والفقر، بعد أن تم دفن المهمة الاستطلاعية التي كان من المفترض أن تنبش في العلبة السوداء للمؤسسات البنكية.
اليوم نُعاين أيضا كيف تحولت غرامات مجلس المنافسة حول المحروقات، لمجرد فقاعة صغيرة سرعان ما اختفت دون مفعول، لتستمر شركات المحروقات في جني ملايير إضافية من الأرباح غير المشروعة في وقت تراجعت في أسعار النفط عالميا .
هذه الحقيقة تكشف أننا كنا، ولا زلنا، مستسلمين لواقعنا كبلد تتحكم فيه اللوبيات والعائلات المخملية، ويُسود فيه أصحاب المصالح الكبيرة القادرة على تركيع الحكومات، وإجبارها على الإذعان في سرعة قياسية.
تماما كما حدث بعد الاقتراب من مصالح ومستودعات المستوردين والتجار الكبار المتهربين من الضرائب.
وكما يحدث حاليا مع شركات المحروقات التي تتمسك بأسعار مرتفعة، رغم كل الجدل الذي أثير حول ملف فضائحي اعتبرت الحكومة نفسها غير معنية به.
سلوك يبقى طبيعيا مادام السي أخنوش أهم المُستفيدين، بعد أن اتضح أن المؤسسة التشريعية، ومعها مجلس المنافسة غير قادرين على مواجهة عش دبابير كبير بقيادة رئيس الحكومة، الذي صار يحمل سوطا لجلد كل من ينتقد غرقه في تضارب المصالح، وفشله في جميع المهام الحكومية، موازاة مع نجاحه كملياردير.
لهذا السبب أعفى تجمع النفطيين نفسه من عناء التبرير أو الرد على حكومة رئيسها هو أكبر تاجر للمحروقات في البلاد عكس ما كان يفعل في السابق.
نحن في الواقع أمام لوبيات تستفيد من هدايا حكومية بالملايير، وتواصل مص دم المغاربة بعد أن اتضح أن لها سندا يتجاوز المؤسسة التشريعية.
اللافت أن الجميع، غير منتبه لخيوط الدخان التي صارت تنبعث من الأزمة التي يعاني منها ملايين المغاربة الذين انهارت قدرتهم الشرائية، بعد أن تعرضت ميزانية مئات آلاف الأسر لأضرار جد فادحة.
حكومة “تستاهلو حسن” التي يرأسها أكبر تاجر للمحروقات بالبلاد، تعتبر نفسها غير معنية بلهيب الغلاء الذي يحرق جيوب المغاربة، بعد أن اختبئت وراء حرب أوكرانيا وسعر الدولار، والجفاف.
هذا اللعب انتقل أيضا إلى عدد من أسواق الجملة ليُترجم من خلال النفخ في الأثمان دون أن تتدخل الحكومة لمواجهة المضاربات، والوسطاء، الذين يجنون ثرواتهم على حساب بسطاء هذا البلد من خلال هاتفهم النقال فقط رغم التعليمات الملكية الصريحة التي وردت في خطاب العرش حول المضاربات والريع.
الحقيقة والموضوعية تقتضي الإقرار بأن الحكومة التي وقفت متفرجة إزاء استنزاف جيوب المغاربة من طرف لوبي بالمحروقات، حتى يضاعف السي اخنوش ثروته، كما وقفت أحزابها في صفه بعد احتجاج مكتوم، لا يمكن أن نتوقع منها أن تلتفت إلى بهدلة “خروف العيد”، أو ما يعانيه عموم المغاربة يوميا مع “القفة”، والبطالة، و ظلم المؤشر وبهدلة الإدارات والسبيطارات.
لطالما كان الركود وتفشي الغلاء بمثابة عود الثقاب الذي أشعل فتيل الاحتجاجات والغضب الشعبي في عدد من الدول، وهو سيناريو يبدو أن الحكومة ورئيسها غير مُقدرين لخطره.. فاتقوا الله في هذا البلد.