يقول الشاعر أحمد شوقي في أهمية فضائل ونبل الأخلاق، وعلاقتها بتوطيد أواصر التلاحم وترسيخ التعايش والتآزر والتضامن وتعزيز والاخاء وروح التعاون بين أفراد المجتمع وبين الأمم والشعوب جمعاء. وهي الأهمية التي تؤول مباشرة الى وجود قاسم مشترك من الشعور والإحساس بالانتماء الى هيئة وكيان الجماعة، ووجوب الحرص والدود لتعزيز لقوته ومناعته واستمراره. وبقاء الأمم والشعوب رهين بأخلاقها وفقا لقول شاعرنا؛ انما الأمم بالأخلاق ما بقيت، فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
وسبب هذا البيت يرجع الى فضيحة التحرش العلني، في الشارع العام وأمام الملأ الذي تعرضت له فتاة شابة يافعة في مدينة طنجة. يفترض انها بنت واخت وقريبة جميع وكل المغاربة على السواء.
ذنب البريئة في اعتقادها أنها في حماية أهلها وذويها وأسرتها الكبيرة، الذين من واحبهم حمايتها والتضامن معها ومؤازرتها، ولم تكن المسكينة تتخيل انها وقعت في مخالب الذئاب البرية وبين انياب الضباع البشرية التي تأتي الفريسة من مؤخرتها. ينهشون لحمها ويتلذذون بتعريتها. ويبقى ما وقع وصمة عار على جبين كل المجتمع وكل الأسر.
هو فعل مشين يدل على انحطاط بين وفج في التربية والأخلاق. هو سلوك مدان شرعا وقانونا ومجتمعيا، سبب لنا وجعا وألما. هو تصرف لا يقبله أحد ولا يرضاه أحد. فكما نعتبر حكم الشارع مدان، فما وقع من تحرش جماعي تعرضت له فتاة شابة مدان ايضا، بكل كلمات ومصطلحات وتعابير الادانة والشجب والامتعاض.
بيد أن المتأمل في مشهد ما وقع من تقزز يقشعر منه الضمير الانساني، حيث يتناوب شبان دون خجل ولا استحياء على لمس الفتاة في شرفها وعلى محاولات تعريتها، وتطويقها الجماعي حتى أغمي عليها، والمتمعن في اشارات وعبارات الفرح والغبطة والسرور البادية على الفاعلين، وامعانهم في التحرش يعكس ان ذلك أصبح للأسف الشديد جزءا يسير كا وقليلا من الوقائع الفظيعة التي يعج بها الفضاء العام، وفي ظلمات الليل والخلاء والقفار، الله اعلم بما يقع فيها.
هي مجرد لقطات لروتين يومي في الشارع والمدرسة والسوق وفي الحافلات والجامعات. ولا يخلو اي مكان عمومي من مثل هذه التصرفات وهذه المشاهد، التي تكاد تكون عادية، ان لم نقل ان المجتمع تطبع معها لكثرتها.
وهو سلوك يعكس تفسخ قيم العفة والحشمة وسمو السلوك والأخوة والأصالة التي كانت تجمع بين ابناء وبنات المجتمع الواحد، وتحول السلوك الى شبه حقيقة الشارع المغربي اليوم، الذي أصبح غابة برية مخيفة تحتكم الى قانون الغاب في كل شيء.
شباب مكبوت، لا تربية لا أخلاق، هم بمثابة حيوانات مفترسة تهيم في الشوارع وفي الأزقة، يبحثون عن فريسة ضالة ينقضون عليها لسرقة ما تحمله من اغراض، يجردونها من ملابسها، وقد يشوهون وجوها جميلة وبريئة بسكين او بشفرة حلاقة. وفي أقل الصور يوجهون لها كلمات نابية، وان سمح الزمان والمكان يغتصبونه او يهتكون عرض ضحيتهم بشكل جماعي.
قد نتساءل عن الحق في الأمن؟ وعن إلقاء القبض عليهم؟ وعن زجرهم بتوقيع أقسى العقوبات عليهم؟ فهل حققنا المبتغى؟ هل استأصلنا الورم وعالجنا المرض والداء؟ وهل حققنا الردع العام؟ أكيد لا؟ لن تنتهي آلام هذه الواقعة حتى تهزنا واقعة أخرى أكثر فظاعة! فما العمل إذن؟ علينا البحث عن الحلول الجذرية التي تكمن في الهدر المدرسي ومستوى التعليم وفي البطالة كمداخل الاندماج الحقيقية؟ الذي هو نحن جميعا. نحن مستعدين على مشاهدة الشريط مرات ومرات بدافع حب العنف الذي هو دفين فينا! دون ان نطرح سؤال حول كيف نساهم جميعا في تجاوز هذه المصائب والنكبات وعلاج هذه الأمراض الخبيثة؟
سواء من حيث احترام التزام بتقويم اعوجاج سلوك اطفالنا في البيت والحرص على تمدرسهم وتهذيب سلوكهم. وعلى الحكومة ان تشرع قانونا يحدد السن الإجباري للتعليم وإجبارية التكوين المهني لمن اختار عدم متابعة تعليمه لتأهيله ليكون منتجا ومواطنا مندمجا. وامتصاص البطالة بين الشباب. فالأسرة والمدرسة والشغل مفاتيح ادماج المواطنين. اذن كلنا مسؤولون وكلنا مدانون وكلنا مجرمون!
*محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي قضايا الهجرة ونزاع الصحراء
الرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي درعة تافيلالت.