حمل مشروع تصميم التهيئة الجديد لمدينة الرباط، الذي عُرض للنقاش ابتداء من 8 نونبر الجاري، مستجدات وتغييرات كبيرة تهدف إلى تحديث البنية العمرانية للعاصمة. المشروع الذي أُودع بمقر جماعة الرباط، سيظل مفتوحاً أمام العموم لمدة شهر كامل لتقديم ملاحظاتهم، وسط جدل حول مدى ملاءمته لاحتياجات السكان ومراعاته للواقع الاجتماعي.
وبحسب الوثيقة التي يتوفر عليها نيشان، فإن المشروع يسعى إلى استبدال تصاميم عمرانية عفا عليها الزمن، بعضها يعود لأكثر من عقدين، مثل تصميم تهيئة مقاطعة يعقوب المنصور المصادق عليه سنة 1998.
في هذا السياق، يهدف المشروع إلى إحداث تحولات جذرية تشمل بناء عمارات ذات ارتفاعات أكبر، مع إضافة مرافق عامة وتوسعة الشوارع، في محاولة لتحقيق “تنمية عمرانية مندمجة”.
مخاوف من التهميش الاجتماعي
رغم الوعود بإحداث تغييرات إيجابية، عبّر عدد من المواطنين عن مخاوفهم بشأن تأثير المشروع على حياتهم اليومية. سميرة الإدريسي، إحدى ساكنات حي يعقوب المنصور، قالت لـ”نيشان”: “نتفهم الحاجة إلى التطوير، ولكن ماذا عن السكان الذين يعيشون في أحياء قد تشهد تغييراً جذرياً، إعادة إسكاننا ضمن العمارات الجديدة فكرة جميلة على الورق، لكن هل ستتحقق فعلاً دون مشاكل، وآخذا بالاعتبار مبدا الانصاف والتكافؤ.
ويتفق معها يوسف .ع، صاحب محل تجاري في حي الكفاح: “إضافة طوابق وتوسعة الأزقة فكرة جيدة، ولكن هل سيؤخذ بعين الاعتبار تأثير الأشغال على أنشطتنا الاقتصادية، وعلى حياتنا بصفة عامة ” ويتابع قائلا” انا فنظر كان خاصهم يتشاورو مع الساكنة قبل ما يحطو هاد المشروع ماشي حتى صايبوه وسالاو”.
بين الطموح العمراني والموروث الثقافي
من بين التعديلات البارزة في المشروع، السماح بالبناء العمودي في عدة مناطق، مثل شارع المحيط الهادي وحي المنزه، حيث يُخطط لإنشاء عمارات من خمسة إلى ستة طوابق. كما يشمل المشروع توسعة شوارع رئيسية مثل الكفاح، السلام، والمجد، مع إحداث مساحات خضراء ومراكز صحية وتجارية جديدة.
لكن هذه التعديلات أثارت استفهامات عدة حول مصير الهوية الثقافية والمعمارية للمدينة. هشام المريني، أستاذ باحث في قضايا التعمير، يرى أن “الرباط مدينة ذات طابع تاريخي مميز، وأي مشروع تصميم جديد يجب أن يحافظ على توازن دقيق بين التحديث واحترام الموروث الثقافي. التحول السريع دون دراسة معمقة قد يفقد المدينة طابعها الفريد.”
انتقادات لإدارة المشروع
ورغم الإشادة بالرؤية التحديثية، وجه البعض نقداً إلى طريقة إدارة المشروع. يقول أحمد البكري، ناشط مدني: “فتح المشروع للنقاش خطوة جيدة، لكنها تبدو شكلية في ظل غياب آليات واضحة لضمان الأخذ برأي السكان. الوثيقة تتحدث عن تحسين جودة الحياة، ولكن ماذا عن آليات تمويل هذه المشاريع؟ وماذا لو واجه السكان صعوبات في التأقلم مع التغييرات؟
خطوة أولى في طريق طويل
المشروع الذي يدخل ضمن رؤية “الرباط مدينة الأنوار” يبدو طموحاً، لكنه لا يخلو من ثقرات واكراهات. فإلى جانب تحسين البنية التحتية، يتطلب التنفيذ تحقيق توافق مع الساكنة وضمان التشاور معهم بشكل شفاف خلال مراحل الإنجاز. وبحسب ما أكده مصدر من داخل الجماعة لـ”نيشان”، فإن “المرحلة الحالية ليست سوى بداية، وستتم دراسة كافة الملاحظات قبل اعتماد النسخة النهائية. الهدف الأساسي هو تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية واحترام حقوق المواطنين.”
الى ذلك، تظل الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد مسار المشروع ومدى تجاوبه مع انتظارات الساكنة، وسط ترقب لمدى قدرة السلطات على تحويل الطموحات المعلنة إلى واقع ملموس يخدم مصالح الجميع.