سامح الله من أوحى للناطق الرسمي باسم الحكومة أن يرمي الشيطان بالباطل.
حدث ذلك في بث مباشر للحديث عن مواضيع وملفات، اتضح أن الرجل لا يفقه فيها، ولا يملك أي معلومات عنها، وغير قادر على الخوض فيها، وكل ما يستطيع فعله هو الدفاع عن عرّابه عزيز أخنوش.
عبارة “الشيطنة” التي واجه بها بايتاس سؤالاً حارقاً حول تهرّب أخنوش من عقد اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد اختزلت كل الحكاية… وكشفت أن الرجل وُضع على رأس هذه الوزارة لمَضغ الخشب، وصناعة تبريرات سخيفة تبني يوماً بعد يوم جداراً سميكاً يفصل هذه الحكومة عن الشعب.
فعلاً، كان الله في عون المغاربة وهم يُشاهدون كيف أن محامي رئيس حكومتهم عاجز عن تقديم جواب مقنع، أو حتى جملة مفيدة في عدد من القضايا التي أصبحت تشغل الرأي العام، وتسهم يوماً بعد يوم في تأجيج مشاعر القلق التي بتنا نتقاسمها جميعاً من المسار الذي دخلت فيه البلاد، خاصة مع وجود حكومة برئيس لا يصلح للسياسة.
الملياردير الذي يبدو أنه صار يعاني من حالة فصام سياسي قد يستفيق منها بفعل صفعات حلفائه.. قتل السياسة، وكلف البلد كثيراً، بعد أن تجاوز نهمه كل الحدود… وصار مثل آلة حصاد سحقت القانون في سبيل الحصول على صفقات بالمليارات من خزينة الدولة.
جواب بايتاس عن تجميد “ترانسبرنسي المغرب” لعضويتها في اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، وقبله حديث رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة عن طرق باب رئيس الحكومة مراراً لعقد اجتماع هذه اللجنة دون رد… كاف لفهم علاقة السي عزيز بالفساد.
بايتاس في جوابه المرتبك رفض “شيطنة” الحكومة، وهو اتهام بدون فرامل لهيئات حقوقية ومؤسسات دستورية سبق ونشرت غسيل ما يقع من “تخوفيش” خطير في عدد من القطاعات.
كما أن جواب بايتاس هو محاولة لرمي الآخرين بوحل ملفات صارت تلاحق رئيس الحكومة مثل ظله، ومنها ملف صفقة تحلية مياه بالدار البيضاء، والتي لا يزال رئيس الحكومة يرفض حتى الآن الخروج بوجه مكشوف ليقول للمغاربة: “ما غادي ناخد تا ريال كدعم من المال العام”، أو يشرح لهم كيف لبس قبعة رئيس الحكومة ودهس الجميع في طريقه لنيل صفقة عمومية بمئات الملايير.
بعد كل هذا يأتي بايتاس للحديث عن “الشيطنة”… علماً أن الشيطان بذاته سيصبح حائراً أمام هذه الحكومة التي صارت تتلاعب بالاستقرار الاجتماعي للبلاد، والعباد..
حكومة تنفخ في ثروات اللوبيات في وقت تبيعنا فيه العجل من خلال وهم الدعم المباشر، والمؤشر الذي ينتصب فجأة ويجعلنا أغنياء لمجرد شراء “بيكالة”، و”قالب” التغطية الصحية الذي صب الملايير في أرصدة المصحات، فضلاً عن مشاريع المونديال التي صرنا على يقين أن الحكومة قد تضعنا في المزاد مع ما تبقى من عقارات ومقرات ومؤسسات الدولة في سبيل تمويلها، وسد العجز المالي للدولة الاجتماعية التي صارت مثل فيل يهدد بسحق ما تبقى من الطبقة المتوسطة.
لقد كان التقرير الذي أصدرته هيئة النزاهة دليلاً آخر على أن الحكومات بالمغرب ترحل، ويبقى الفساد راسخاً وصادماً في وجه الجميع، بكل عناوينه من ريع، واحتكار، ونهب وتبديد لمدخرات المغاربة وثرواتهم.
اليوم… ومع جدل صفقة 1500 مليار التي بلعها أخنوش “صحة” مثل حوت ضخم، لا بأس أن نذكر أحزاب الأغلبية بأنها هي ذاتها التي تصدت وبكل شراسة لتجريم الإثراء غير المشروع بالقانون الجنائي بعد أن قاد المحامي، والوزير عبد اللطيف وهبي، حملة شرسة من أجل ذلك…
قبل ذلك بسنوات، سمع المغاربة جملة “أين لك هذا؟”، وهي حقبة، وللمفارقة، اجتهد فيها النهب ليضخ في أرصدة عدد من المسؤولين على اختلاف مستوياتهم ثروات جديدة بُترت من المال العام، قبل أن تطوى هذه الصفحة بصفقة “عفا الله عما سلف” التي ربحنا منها السحت والفتات، مقابل عفو سمح للأموال المهربة خارج البلاد بأن تتجاوز 41 مليار دولار.
معارضة تجريم الإثراء غير المشروع هي وصمة عار على جبين اخنوش ووهبي ومن معه، ودليل على وجود تواطؤات متشعبة تفسر كيف تُوضع ملفات الفساد في الثلاجة، وتُكتم أنفاسها في غرف البحث والتحقيق.
هذا الأمر ليس طارئاً، بل يمتد لسنوات خلت، بعد أن حاصرت أسماء تحتل مواقع مسؤولية بارزة أي محاولة تشريعية قد تعبّد الطريق لملاحقة الثروات المشبوهة، حتى لا تفتح ملفات موظفين كبار حولوا المؤسسات العمومية لضيعات خاصة.
واقع يشرح لنا كيف أيضاً أن وزراء ورؤساء جماعات أو مسؤولين ضمنهم ولاة وعمال رواتبهم معروفة، وسقف تعويضاتهم محدد، تحولوا بعد تصريح هزيل بالممتلكات إلى أثرياء جدد، كحال بعض الأسماء السياسية التي حلت بالرباط معدمة، وأصبحت تقطن الآن في أرقى الأحياء، وتركب سيارات رباعية الدفع، بعد سنوات قليلة على تولي المناصب التي يُتيحها الريع الحزبي.
الثابت أن مواجهة الفساد ليست مرتبطة بالقوانين، لأن أزمتنا مرتبطة بالتفعيل، وبعدم وجود إرادة حقيقية بعد أن صار الفساد دولاباً من دواليب الدولة.
بعد كل هذا من حقنا أن نسأل …
من هو الشيطان الذي يختفي في تفاصيل الحكومة ؟