منذ انتشارها في المغرب، ارتبطت “الرقية الشرعية” بـ “الرجال”. رقاة يحملون ألقاب شيوخ، تبدأ أسماؤهم بعبارة “أبو فلان” و”أبو عِلاّن”، يفكون المربوط ويبطلون السحر، ويصرعون الجن، في معارك يُبثُّ بعضها على اليوتوب، وتحظى بمشاهدات عالية.
لكن الجديد، في هذا المجال، هو اقتحام النساء لعالم الرقية، رقاة بصيغة المؤنث، يتخصصن في كل شيء، بدءً من الحجامة، مرورا بفك المربوط، وتزويج النساء، وصولا الى تكبير المؤخرات، وقراءة الطالع.
يحصلن على زبائنهن بطرق مختلفة، سواء من خلال المساجد ودور تحفيظ القرآن، أو في الحمامات والأسواق، وغيرها.
من بينهن زوجات رقاة، اخترن خوض غمار هذه المهنة مع أزواجهن، لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن، سيما منهن اللواتي يفضلن، التعامل مع “راقية امرأة”، بعد ما أثير بالفترة الأخيرة، بشأن استغلال بعض الرقاة، للنساء في عمليات جنسية، خاصة عقب تفجر قضية راقي بركان وفيديوهات راقي العيون، ما ضيّق من لائحة الزبناء، في وقت تؤكد فيه إحصاءات غير رسمية، عن تبوأ النساء، قائمة أكثر الفئات لجوءً الى طلب الرقية.
وعبر هذا الربورتاج، تنقلكم “نيشان” لسبر أغوار هذا المجال الخفي، وما يقع خلف ستائر محلات، تشتغل برخصة معشبة، لكنها على أرض الواقع تختص في كل شيء.. كل شيء بما في ذلك الأمراض العضوية، التي تدخل في نطاق الطب.
نساء من مختلف الطبقات يطلبن خدمات الراقيات
على مقربة من احدى محلات الرقية، بجماعة سيدي الطيبي، المتواجدة بين القنيطرة والرباط، عاينت “نيشان”، توافد عشرات النساء على احدى المحلات، التي اختارت لها زاوية لا تخطؤها العين، بحيث يشاهدها كل المارين عبر الطريق الوطنية رقم 1.
سيارات من نوع فاخر، تنزل منها نسوة، تبدو على بعضهن علامات الانتماء لطبقات اجتماعية راقية. يلجن المحل، حيت توجد راقية تدعى بـ “الأخت عزيزة” (اسم مستعار)، تتخصص في الرقية الشرعية والحجامة النبوية” للنساء، حسب المُعلن عنه في اللافتة الاشهارية، إضافة الى علاج بوزلوم، والسحر والعين والحسد والتحصين الشامل.
لدى استفسارنا أحد القاطنين بمحاذاة هاته “الراقية”، بشأن الخدمات التي تقدمها هات الراقية، ومدى كفاءتها في المجال، بأخبرنا أن الراقية “أم عزيزة”، امرأة منقبة في نهاية العشرينات أو بداية الثلاثينات، على حد تعبير المتحدث، ويتوافد عليها بشكل يومي، نساء من مختلف الأعمار والشرائح، ومن جميع مدن المغرب، مضيفا “أنها بارعة في مجال صرع الجن”، ومعالجة الأمراض الروحانية المستعصية.
استغلال دور تحفيظ القرآن لاستقطاب الزبائن
حسب شهادة زبونة التقت بها “نيشان”، أكدت هاته الأخيرة، أنها تعرفت على الراقية، بدار لتحفيظ القرآن ومحو الأمية، وهي الشهادة التي تؤكد، استغلال هؤلاء الراقيات لمثل هاته الأماكن، من أجل اصطياد زبوناتهن، مستغلين أمية أغلبهن، لإقناعهن – بعد كسب ثقتهن واستخدام خطاب عاطفي وديني -، على طلب خدماتهن، إما بطريقة مباشرة، أو عن طريق وسيطات يتولين القيام بهاته المهمة مقابل عمولات، حسب ما أكدته مصادر متطابقة لـ “نيشان”.
وتحكي “ت .م” وهي سيدة في عقدها الرابع، أن لجوءها الى طلب خدمات راقية شرعية، كان بسبب امتناع زوجها ورفضه التام، فكرة اللجوء الى راقي رجل، حيث اقترحت عليها احدى معارفها، بعدما اشتكت لها من رؤية كوابيس، اللجوء الى مركز رقية بمدينة سلا في “منطقة العيايدة”، حيث تنشط هناك العديد من الراقيات.
تسترسل “ت .م ، في سرد تجربتها لـ “نيشان” مؤكدة أن الراقية تستقبل الزبائن بالموعد، وأنها لا تكشف عن وجهها، رغم ممارستها الرقية مع النساء، وهو ما أثار توجسها على حد تعبيرها، وجعلها تطرح تساؤلات “حول ما اذا كان الأمر فعلا يتعلق بامرأة أم برجل يتخفى خلف نقاب، لأنه بحسبها “تبقى امكانية تغيير الصوت واردة، سيما وأن بعض الرجال يمتلكون خامة صوتية رفيعة وحادة تشبه أصوات النساء”.
استقبالات بالموعد والحجز المسبق
لسبر عالم الرقية النسائية المجهول، اتصلت “نيشان” هاتفيا باحدى الراقيات، التي تستقبل زبنائها بالموعد، والتي بدت متوجسة ومتحفظة، على منحنا تفاصيل كثيرة عبر الهاتف، وطلبت زيارتها حضوريا في المحل، للاطلاع على الحالة، واتخاذ القرار بشأنها. ولدى استفسارنا بشأن سعر العلاج، أجابت أن “الفتوح” يبتدئ” من 50 درهما، وفتوح الأعشاب من 70 درهم، ولكل خدمة إضافية، أو منتوج إضافي ثمنه الخاص، على حسب ما تتطلبه كل حالة على حدى.
من جهة أخرى، أبدت الراقية توجسا لدى استفسارنا عن الطريقة التي تستخدمها لصرع الجن المتلبس بالإنسان، مشيرة ضمن الاتصال ذاته، “أنها لا تقوم بالرقية لوحدها، بل بمعية زوجها” وأنها في الغالب تتكفل بالحجامة للنساء.
شعوذة تحت غطاء الرقية الشرعية
وصلنا الى محل الرقية، وفق الموعد الذي ضربته لنا الراقية، وفي الاستقبال استقبلتنا شابة في عقدها الثاني، وسألتنا بعض الأسئلة بخصوص، سبب الزيارة، فأطلعناها على حجزنا موعدا مسبقا، وأن الأمر يتعلق بالكشف عن “سحر مأكول” (التوكال)، وفي خضم ذلك، لاحظنا تبرم نساء يحاولن إخفاء وجوههن باستخدام أغطية رؤسهن، فطلبت الكاتبة من “صحفي نيشان” الذي تقمص دور مرافق للمريضة، الخروج ومغادرة المكان، لأنه غير مسموح لغير النساء بالتواجد، لأسباب شرعية . وفق تعبيرها
في قاعة الانتظار، دارت أحاديث كثيرة، بين المرافقة التي استعان بها صحفي “نيشان”، لتقمص دور مريضة، وبين النسوة المتواجدات هناك، حيث كشفت إحداهن، أن الراقية “أم .ب”، تقوم فضلا عن الرقية والعلاج بالأعشاب، على قراءة أوراق اللعب (الكارطة)، وتحديد “الصْواب” “المناسب ” لكل الجنيات التي تتملكهن، بدءً من “للا ميرا مولات الصفر” و”للا عيشة الميمة”، و”ميمون الكناوي”، لأن أمثال هؤلاء “الملوك الروحانيين”، بحسبها “يستعصي التخلص منهم بالرقية، ولا سبيل الى كف أذاهم، سوى بارضائهم بالهدايا والقرابين”.
فيما أكدت أخرى، ضمن ذات الأحاديث الجانبية، أن “أم. ب” تعلمت الرقية، على يد زوجها “الشيخ. ع”، الذي يشتغل في هذا المجال منذ 10 سنوات، وكان قبل ذلك جنديا، ثم بائعا متجولا.
تجارة تذر أموالا طائلة
من ضمن المنتجات التي تعرضها الراقية، بمركزها المتخصص في الرقية، قنينات ماء مرقي خاص بالعين والحسد، وأخرى بطرد الحظ السيء، تتراوح أثمانها ما بين 30 و 100 درهم، فضلا عن علب صغيرة من العسل الممزوج بالأعشاب، يناهز ثمن الواحدة منها 50 درهما.
وبعملية حسابية بسيطة، يصل المدخول المتحصل عليه، من بيع المنتوجات البالغ ثمنها 50 درهما، لعشرين زبونة مفترضة في اليوم، ما يفوق 1000 درهم، أي بمحصل شهري، يناهز حوالي 30 ألف درهم، دون احتساب قيمة الحصة الواحدة من الرقية، والتي تتراوح ما بين 50 الى 100 درهم، وربما تصل لأكثر من ذلك، حسب عدد الحصص، وحسب الطبقة التي تنتمي اليها الزبونات.
رقية شرعية وتكبير للمؤخرات والأرداف
من الأمور الغريبة التي عاينتها “نيشان”، لدى إنجازها لهذا الربورتاج، مركز للرقية يتواجد بإحدى الأحياء الشعبية في مدينة سلا، يختص الى جانب “الرقية الشرعية للنساء والأطفال”، في تقديم خدمات “الكدرة الصحراوية” لتسمين المؤخرة والأرداف، حسب ما هو معلن في اللوحة الاشهارية للمركز، وهي طريقة تتم من خلال استخدام آنية “الكلة”، عبر مص الهواء منها بواسطة شمعة مشتعلة، ومن تم تبيثها على جلد المؤخرة لسحبه وتمديده.
ممارساتٌ تفضح اتخاذ بعض هذه المراكز من الرقية الشرعية كغطاء ومطية لتقديم خدمات من نوع خاص، بما يضمن لأصحابها استهداف، مختلف الشرائح والفئات العمرية من النساء، وبالتالي مَن ترغب في الرقية ستجد ضالتها لديهم، ومن ترغب في أشياء أخرى ستجدها أيضا.
“أم آدم” من مصابة بالمس الى راقية شرعية
تحكي أم آدم، المتحدرة من مدينة الراشيدية، على قناتها بـ “اليوتوب”، قصة تحولها الى راقية، مؤكدة أنها عانت لمدة 10 سنوات من كوابيس، ومشاهدتها في المنام لرجل في هيئة مخيفة، يطلبها للزواج فتشترط عليه خاتما رفيعا، ثم ينقلها معه الى عوالم الجن الخفية، على حد تعبيرها. وتسترسل أم آدم في بوحها “واصفة وجوه وصفات الجن، مشيرة أن الجني العشاق، كان يحملها الى “قيسارية الذهب” فترى أنواعا رفيعة من الذهب، لكنها عندما تقيس الخاتم لا يعجبها، فترفض الزواج منه”، وتفر منه وتردد لا إله الا الله فيصرع، وفي الليلة الموالية يزورها “جني آخر ويطلب منها الزواج، فتطلب منه هذه المرة حذاء، وعلى غرار الأول ينقلها الى عوالم الجن، وهكذا دواليك”.
وتحكي أم آدم “أن الأمور تطورت، فوصلت الى تلبس الجن بها، واحساسها بقشعريرة، كلما جاء موعد النوم، وأصحبت تصرع، لتنتقل بعدها – تضيف أم آدم – الى مرحلة أصبحت ترى فيها رؤى صالحة لنساء يزرنها في المنام، يحملن أسماء “عائشة” و”خديجة” و”فاطمة الزهراء”، وهي النقطة التي شكلت بحسبها، لحظة تحول في حياتها، وبعدما كانت تعاني من مشاكل مع الجنين “الراكد”، أصبحت ترقي نفسها، بالآيات والماء المرقي، فتحرك الجنين، وعادت اليه الحياة”. على حد زعمها
وفي حملها الثاني ساءت حالتها مرة، أخرى، فعادت ترقي نفسها، فتحركت يديها بشكل لا إرادي، لمهاجمة صديقتها، وأن شيوخ الرقية عجزوا عن معالجتها، وحاربها الجن لأنها رفضت دخول عالم “تشوافت”، لتنتصر عليهم في النهاية، وتصبح راقية شرعية”. على حد زعمها
موقف الشرع من ممارسة المرأة لما يسمى بـ “الرقية الشرعية”
ثلاث أسئلة للعلامة “المصطفى بن حمزة” عضو المجلس العلمي الأعلى
1 – ما مدى مشروعية رقية المرأة للآخرين ؟
الرقية في حذ ذاتها ليست علاجا، هي مجرد دعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم، حين كان يوجه الناس لم يكن يوجههم الى الرقية، بل كان يوجههم للعلاج، ” إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا “، والتداوي والرقية فيها إدعاء، وهؤلاء الراقيات ومعهم الرقاة، يدّعون الصَلاح، مختلقين في ذلك تخصصا لا وجود له، فالجميع بمقدوره الدعاء لأخيه بالأدعية المأثورة، وهاته التخصصات في الرقية، تمنع الناس من طلب مشورة الطب، ما قد يؤدي الى تفاقم أمراضهم، ويعرض حياتهم للخطر.
2 – ما رأيك في انتشار مراكز تشرف عليها “راقيات نساء” ؟
هذا كله انحراف عن الطريق، سواء تعلق الأمر بمراكز رقية يشرف عليها رجال أو تشرف عليها نساء، فهؤلاء من الذين ينتفعون من الرقية. والسبب وراء انتشار هاته المراكز، راجع الى التخوف الذي أصبح يبديه البعض، من اصطحاب زوجاته الى راقي رجل، ربما لا يثق فيه، فأوجدوا له “راقية إمراة”، المهم هي أن النتيجة واحدة هي أنها لن تتعالج، وهناك كثير من الرقاة يدعون قربهم من الله، وتوفرهم على كرامات، وبأن دعائهم مستجاب، وتجد من بينهم من لا يؤدي حتى صلواته.
وهناك بعض مُدعي الرقية، اعتدوا على أعراض الناس وارتكبوا ما ارتكبوه، وقضاياهم معروفة، وهي معروضة الآن على المحاكم.
3 – يُفهم من كلامك أنه، ليس هناك فرق في الرقية بين من يمارسها، سواء تعلق الأمر برجال أو نساء ؟
سواء تعلق الأمر بممارسة المرأة أو الرجل للرقية، يجب علينا التخلص من مثل هاته الظواهر، والعمل على انشاء كليات ومعاهد للطب، عوض اللجوء الى هاته المركز التي تمارس الرقية، فيما أصحابها هم أنفسهم يعرفون جيدا أنهم ليس لهم من الأمر شيئا، وأنهم فقط يضيعون وقت الناس”.