في أبريل 2018 عندما تفجّرت مقاطعة شعبية غير مسبوقة بالمغرب استهدفت منتوجات وشركات بعينها، كان أبرزها علامة “إفريقيا غاز” لتوزيع المحروقات لمالكها الملياردير و”السياسي” عزيز أخنوش، توقّع بعض المتفائلين أن يحقق المُقاطعون ما لم يستطع خصومه تحقيقه في ملعب السياسة، رغم السعي للإطاحة بالرجل المقرب من صُناع القرار بالمملكة الشريفة.
الرجل يفتقد لقدرات تواصلية، وبدون موهبة سياسية، وهذا شيء طبيعي لمن يألف النضال داخل مقرات الأحزاب، وما سبقش ليه كان شي نهار دمايري في شي حملات ديال شي حزب، بل قدمت له رئاسة حزب “لحمامة” بعدما هبط ليها بالباراشوت لغاية في نفس من أنزلوه….
اخنوش ومن خلال شركته تحدى المقاطعة، ولم تصدر هذه الأخيرة ولو بيان أو توضيح إلى الشعب المُقاطع، بعكس ما فعلت شركتا “دانون” و”سيدي علي” مثلا اللي كانوا مستهدفين هما أيضا، واللي تفاعلوا كثيرا مع مطالب الجماهير المقاطعة إلى حد القيام بتخفيضات في منتوجاتها.
عزُّوز وعكس ذلك، وبعدما قطع الواد ونشفو رجليه، عاد من جديد ليغمسهما في مستنقع شدْ ليَا نقطع ليك مع فئات واسعة من الشعب، بعدما خرج في تصريحات أمام مناضلي حزبه، ليرد على وليدات گروب “أغاني راب” معتبر أنهم تطاولوا على الملك، مخاطبا أتباعه بأنه “اللي ناقصاه التربية خصْنا نعاودو ليه التربية ديالو”!! وسط تصفيقات جمهور حزبه..
تلك التصريحات أثارت غضبا واسعا بين المغاربة وانتظر بعض أصحاب النيات الحسنة أن يخرج الرجل ويعتذر أو يوضح عما إذا كانت تلك عثرة لسان أم زلة، قبل أن يخرج المكتب السياسي لحزبه ببيان مؤيد تماما لتصريحات “زعيمه” ليركب هو الآخر على “قدسية المؤسسات” المفترى عليها، ويدعو “المواطنين الغيورين على قيمهم” بالتصدي لمن “يمسون الثوابت الوطنية”، وذلك خارج سلطة القضاء، وهو ما اعتبره كثيرون بأنها دعوة صريحة من حزب وزعيمه إلى سياسة شرع اليد..
الظروف السياسية اللي كان تيطغى عليها شبه موات، بهوان الفاعلين الحزبيين وتراجعهم إلى الخلف، وتداعي حزب “العدالة والتنمية” اللي أصابه الكسل والذبول وبالخصوص في ظل تزايد سخط المغاربة عليه، وبعدما غيب البلوكاج السياسي ديال 2016 زعيمه الداهية بنكيران.. كل ذلك جعل “نجم النجوم” و”عزيز المغرب” يتلألأ في الأجواء، وكانت كل العلامات تدل على أنه في طريقه إلى المكتب الوثير بالمشور السعيد بتوارگة ليكون الرجل الثاني في بروتوكول مملكة محمد السادس..
انتخابات استثنائية في ظروف استثنائية تفرز حكومة استثنائية..
المغرب كغيره من بلدان المعمور دخل في مارس 2020 حالة الاستثناء/الطوارئ الصحية، اللي قلبت العالم رأسا على عقب، بسبب جائحة كورونا غير المسبوقة، اللي غيرت نمط عيش البلاد والعباد في كل العالم؛ وفي المغرب كان واضحا تأثير الظروف القاسية على غالبية الشعب الفقيرة؛ وهي الظروف اللي زادت بينت وكشفت على عورة حكومة غير متجانسة يقودها قيادي من بجيدي سميتو سعدالدين العثماني، وهو راجل درويش يليق يكون فقيه مسيد ومحال يقدر يفرض فيه شي هيبة مع ادراري لمحاضرية!
في المقابل جعلت هاد الظروف الصحية والاجتماعية المزمنة “نجم” أم الوزارات يبرز ساطعا في سماء هذا المغرب بتدخلها على كافة الأصعدة سواء من خلال تنظيم حملات التلقيح ضد الوباء أو من خلال توزيع الدعم للأسر المعوزة أو في فرض حالة الطوارئ..
وفي هاد الأجواء الاستثنائية اللي بات فيها المواطن مامسوقش، وكان شغلو الشاغل هو أنه ينجو بجلدو ومايمرضش، وفي حالة الفقراء المعدمين مساكن كان همهم الوحيد هو لقمة العيش اللي ولى عسير عليه يحصل عليها، جاء تنظيم انتخابات 8 سبتمبر 2021، اللي جرت في ظل فرض حالة الاستثناء الصحية، وكانت أيضا استثنائية لأنها جمعت بين الانتخابات التشريعية/البرلمانية والانتخابات الجماعية والجهوية، لتكون استثنائية أيضا في النتائج حيث فاز حزب أخنوش بالصدارة، مع سقوط مدوي لحزب الإسلاميين، لتصدق نبوءة القائلين إن “أخنوش” إنما بُعث إلى الناس ليكون المُروض الصنديد للإسلاميين بعد عشر سنوات لهم في الحكم، بعدما استعصى حتى على الأحزاب الوطنية من قبيل “الاستقلال” و”الاتحاد” مجاراته، بينما ارتمى حزب “الشيوعيين” في حضنه الحكومي الدافئ ورأينا كيف بات “الرفاق” في حزب علي يعتة “إسلاميين” أكثر من إسلاميي حزب بنكيران والعثماني..
رئيس حكومة وأُوووم دافّير!!
سرعان ما عين الملك “صديقه” وأحد رعاياه الذي استضافه يوما في بيته، في سابقة لا تتكرر إلا نادرا في المملكة المغربية الشريفة، أخنوش رئيسا عليكم ياولاد الشعب.. نعم إنه هو السياسي الأول في التاريخ السياسي، وربما قد يكون الأخير، الذي نادى بأعلى صوته وبكل ثقة المتسلطين الذين لا يخافون لومة لائم ولا هم يحزنون بأن “اللي مامربيش مزيان احنا ربيوه”..هو الـ”أخنوش” الذي خاض حملة انتخابية قيل فيها الكثير من القيل والقال بأنها كانت “دسمة” العطاء وجعل لها شعارا براقا هو “تستاهل أحسن” اللي ظاهره الرأفة وباطنه العذاب كما ظهر بعد حين وإلى هذا الحين، بعد سنتين من حكمه وحزبه من خلال ارتفاع قياسي للأسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطنين وحتى متوسطي الحال!!
اليوم وفي ذات الوقت اللي تيعاني فيه المواطن الأمرين من تطالعنا الأخبار من هنا وهناك عن بيزنس من مارشيات الدولة مشى لمحفظة أعمال رجل الأعمال، وكان آخر هاد التبزنيسات الصحاح، هو أن شركتين مملوكتين للسي عزيز أخنوش رئيس الحكومة الملياردير فازوا بصفقة قيمتها 1500 مليار .
نعم هذه قيمة الصفقة، وطبعا شبهات مثل الجمع بين السلطة والثروة، وتداخل المصالح، واستغلال المنصب، والتعسف في استعمال السلطة، لا محل لها من إعراب..
لا محل لها من إعراب لأنه في أبريل من السنة الماضية 2022 خرج رئيس الحكومة الأسبق “البواجدي” عبدالإله بنكيران بتصريحات مثيرة ضد رئيس الحكومة الحالي “التجمعي” عزيز أخنوش؛ وهي تصريحات بمثابة إدانة أن تصدر عن أول مسؤول تنفيذي سابق، لو كنا في دولة تؤمن حقا بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لكان القضاء وجّه إلى الرجلين استدعاء للتحقيق في ما زعم أحدهما ضد الآخر، ولكن لأننا في المغرب فلا تستغرب من أن يمر بسلام الكلام الخفيف على اللسان الثقيل في الميزان، دون بحث أو حتى سؤال لمجرد السؤال!
بنكيران قال بعظمة لسانه إنه عند إقدامه، في فترة توليه رئاسة الحكومة، على تلك الإصلاحات التقشفية التي ألغت الدعم على المحروقات، كان يتوصل بفواتير مشكوك فيها، تُسلمها شركات المحروقات ومنها تلك التي يملكها “مول المازوط” رئيس الحكومة الحالي، من أجل الاستفادة من الدعم العمومي.
ومع أن بنكيران شكك خلال التصريحات التي أدلى بها تحديدا يوم 19 أبريل 2022، ونقلتها عدة منابر إعلامية وطنية، في قانونية تلك الفواتير، إلا أنه امتنع عن التحقيق فيها، متذرعا بعدم قدرتهم كحكومة -هكذا قال- لفعل ذلك، وكأن الرجل يتحدث عن دولة مفلسة أو وهمية لا مؤسسات رقابية وقضائية فيها ولا قوانين ولا هم يحزنون؛ وهذا ما يعتبر إما تضليلا للرأي العام يريد بنكيران أن يسجل به نقطا في الصراع المحتدم مع خصمه اللدود أخنوش وحزبه، وإما أنه كان يسكت عن جريرة نهب المال العام بتلك الطريقة الجشعة وقتئذ، وفي هذه الحالة يستحق هو أيضا ما يستحقه الناهب للمال العام بتلك الطريقة التدليسية، أي هنا شركات المحروقات ومنها شركة أخنوش، ما يستحقونه من عقاب قانوني!
الحاصول… بترؤس عزيز أخنوش الحكومة اللي جات على أنقاض حزب “البواجدة” وسقوطهم المُذل المدوي، بعدما ساهموا بشكل كبير في تأليب الرأي العام ضدهم وساهموا في بزوغ نجم آفل لا رصيد سياسي معتبر له غير أرصدة البنوك السمينة التي يقارع بها مليارديرات العالم، فإن نبوءة “عزيزَ قومٍ” ذل -يعني القوم ماشي عزيز- بأن لمغاربة اللي مامربينش هو وحزبو يربيوهم، ها هي تتحقق واقعا لا غبار عليه بكل هذا الاحتقان الاجتماعي وكل هذه الأسعار الحارقة للمواد الأساسية وكل هذا التغول غير المسبوق في دواليب الحكم لأصحاب المال والأعمال..