يبدو أن سنة 2023 لم تغلق القوس بخير، ولم تمر بردا وسلاما على كثير من السياسيين، ومن هؤلاء النائب البرلماني عن التجمع الوطني للأحرار، محمد السيمو، المثير لكثير من الجدل والمداد والصخب الإعلامي والسياسي.
السيمو كان ولابد عليه أن يمثل أمام المحكمة يوم الثلاثاء 26 ديسمبر الفائت، ليقرر قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط مواصلة التحقيق معه في حالة سراح هو و12 موظفا بالمجلس الجماعي الذي يترأسه بتهم اختلاس وتبديد أموال عمومية.
محمد السيمو، الملون باللون الأزرق التجمعي هذه الأيام، يُجسد أبلغَ نموذج للبرلماني الذي يجر التمثيلية البرلمانية إلى الميوعة، بإفراغها من محتواها الدستوري والسياسي وحشوها بمحتوى التهريج والفرجة والكوميديا السوداء.
“السيمو” وهذه كنيته الحقيقية وماشي السمية للي تيدلعوه به الناس، هو أيضا رئيس المجلس البلدي للقصر الكبير، وبرلماني منذ سنوات (أكثر من ولاية تشريعية)، ومستشار محلي أيضا منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن؛ رجل بسيط في عقده السابع، على ما يبدو من مظهره.
السيمو نال شهادة الابتدائي في سنة 2000، بعدما بلغ من الشيب عتيا، وهذا ليس عيبا، ولكن العيب هو أن لا يكون بحثه عن “الشهادة التعليمية” إلا لأجل المنصب التمثيلي، بعدما فرض القانون على المرشح لولوج البرلمان أن يتوفر على شهادة الابتدائي على الأقل..
داخل المؤسسة التشريعية تجد النائب السيمو منذ سنوات أكثر حيوية وإثارة للانتباه، ويتحدث دون أدنى مركب نقص، ويستطيع إعطاء التصريحات للصحافيين المتواجدين بالبرلمان في كل المواضيع، حتى التي لا يعرف عنها شيئا -هو لا يعلم أنه لا يعرف طبعا- كأن تسأله مثلا عن موقفه من حملة مقاطعة شعبية وعن “هاشتاغ” يغزو مواقع التواصل الاجتماعي، بهذا الخصوص، فيثور ويرغد ويزبد في وجه السائل: “من هو هذا الهاشتاغ.. وشكون يكون؟”، ظنّا منه أنه “رجل بشلاغمو”، قبل أن تسعفه بداهته الفطرية ويعرف أنه شيء افتراضي، فيتدارك الأمر بأن ذلك “صناعة جزائرية؟!”
بساطة الرجل تجعله مقبولا عند “القصراويين” وجزء كبير من “ناس دْشامال”، أو عند غالبيتهم، وهو ما يوفر له حضنا انتخابيا دافئا تفوق فيه بامتياز، وقهر به حتى أعتى الأحزاب المغربية وفي أوجها، مثل حزب العدالة والتنمية، الذي انتزع منه رئاسة مجلس القصر الكبير، بل إنه كان رقما صعبا في معادلة الانتخابات الجهوية لسنة 2015 عندما حسم التنافس بين “بيجيدي” و”البام” على رئاسة جهة طنجة تطوان الحسيمة، وقد كان وقتها يرتدي اللون الأصفر مدافعا عن سنبلة “الحركة الشعبية”، وانتصر لمرشح حزب “الأصالة والمعاصرة” (إلياس العماري)، بدل أن يدعم مرشح “بيجيدي” وخصمه المحلي سعيد خيرون، كما كان متفقا على ذلك مسبقا بين “المصباح” وحزب امحند العنصر، ليحسم السباق، ويذيق حزب “الإسلاميين” مرارة الغدر السياسي في آخر اللحظات!
رغم تواضع مستواه التعليمي فإن السيمو ساعد ابنته على نيل مقعد مستشارة في المجلس الجهوي، وفي وصول زوجها وصهره إلى البرلمان في إطار لائحة الشباب “الريعية” التي ألغيت في الانتخابات الأخيرة!
يحكي في حواراته وتصريحاته التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، أنه لبس ثوب أحزاب كثيرة، منها التي يذكرها بالاسم ومنها التي لم تحتفظ ذاكرتُه إلا برموزها الانتخابية، مثل حزب “البراد” أو حزب “المفتاح”؛ وعن السبب في تبديل الأحزاب بسرعة، وممارسته لهواية الترحال المفضلة لديه، يرد بأن الساحة بها 39 حزبا، فلماذا لا يبدل هذا بذاك كلما ضاق به الحال؟!
هكذا بكل بساطة يقدم السي “السيمو” الذي يصف نفسه بـ”الكائن الانتخابي”، مبرراته التي تتحكم في دوافعه السياسية وهو يقوم بعمله السياسي التمثيلي، بالخصوص، ولا نقول العمل السياسي التأطيري، لأن سياسيا لا مكابح عنده في الكلام ولا زخما نضاليا أو تكوينا علميا وثقافة معتبرة، لا تنتظر منه أن يُكوّن أو يؤطر لك الناس على ممارسة السياسة، بل إنه لن يكون إلا مُنفّرا لهم منها، وفي أفضل الحالات سببا ومبررا لضحكهم وسخريتهم من حال هذه السياسة التي باتت عليه في عهد أمثاله من السياسيين وممثلي الشعب!
يتحدث بكل طلاقة وبكل السذاجة السياسية والمعرفية التي تعكس مستواه -وهذا ليس تنقيصا أو تعييرا للرجل- ويشرح مواقفه المثيرة للجدل بعفوية غاية في الغباء السياسي، حتى ولو كانت قد تقدم شواهد وأدلة لخصومه لتسجيل نقاط ضده؛ فلا يجد حرجا مثلا لتبرير ولوجه إلى مجلس النواب في 2016 بـ”كندورة” صيفية، بأنه كان متجها إلى مدينة سطات ولم يكن ينوي الدخول لولا أن أفتوا عليه بضرورة تسجيل حضوره، فإذا به يجد نفسه مورطا بطرح سؤال كتابي لتلتقطه كاميرات التلفزيون العمومي، في خدش أرعن ومجاني لحرمة المؤسسة وقوانينها، وللذوق العام! وبنفس الرعونة يقف متحدثا أمام كاميرات صحافيين عن ملعب كرة قدم افتتح في القصر الكبير بعدما صادقت عليها “فيفا”، نعم الاتحاد الدولي لكرة القدم، هكذا قال!
وعندما تسأل الرجل عن شبهة فساد في طريقة تسييره للمجلس الجماعي، وهو الذي يملك عقارات ومحلات تجارية بالعشرات، ينفي ذلك جملة وتفصيلا، لكنه يستدرك فيقول: “إلى كانت شي حاجة ماهياش فراه غير بحُسن نية ودون قصد”.. فهل يشفع ذلك للرجل أمام القضاء الذي بدأ مؤخرا في التحقيق معه بشأن ملفات تهم اختلالات وتبذير للمال العام خلال حقبة تسييره السابقة لمجلس القصر الكبير؟!