على هامش مؤتمر لحزب الأصالة والمعاصرة
دخل الوحل إلى المحل وأصبح المرور إلى الكتاب والحقيقية والسمو والانضباط والأخلاق يتطلب التسلح بكثير من الإيمان بالفعل غير القابل للبيع والشراء والذي يصنع قطيعة صلبة بين تجارة بالسياسة وبالدين وبكل الايديولوجيات وممارسة السياسة. صدقت يا بن خلدون، لقد اختلطت السياسة بالتجارة وأصبحت مقرات الأحزاب سوقا لبيع التزكيات، والافتخار بالعضو الوافد الغني والاستهزاء بذلك المناضل الذي وهب حياته من أجل تغيير علاقات سلطوية ومجتمعات متخلفة.
المؤتمرات أصبحت غير حزبية. لا يسبقها مسلسل انتخاب المناديب وبناء المشاريع السياسية. المهم فيها أن يتم تجييش بعض الناس، ولا أقول المناضلين، واختيار ممون خدمات له شركة تضمن الأكل وخصوصا حضور أصحاب أجسام ضخمة يكلفون ” بالأمن ” ويضعون رهن إشارة الزعماء موسيقى صاخبة ومقرئ آيات من الذكر الحكيم وحتي بعض الأصوات التي تنشد شعارات يسارية في حفل يميني بامتياز وتميز في اختيار نخب صنعها المال وصنعت واقعا جديدا بعيدا عن ثقافة التغيير.
مناسبة هذا الكلام مؤتمر لأكثر حزب سياسي جديد أثار كثيرا من الجدل والنقاش في بلادنا. ورغم مرور عقد من الزمن على أخذه تسمية لا زالت غريبة على المشهد وهي “الأصالة والمعاصرة، لا زال الكلام عن “وافد جديد” أو “حزب مستشار” أنسحب من رئاسته أو حزب: “خلق لمواجهة حكومة اسلاميين ” تمت الاطاحة بهم، أو حزب لدخلاء على السياسة لم ولن يفلت بعضهم من محاسبة قضائية. ولك الله وعزم ملك البلاد يا وطني. أما الشعب وبالرغم ممن يدعي أنه يمثله، فلا هم له سوى مواجهة أعباء الحياة وحيدا هشا ومعزولا أمام عاديات الزمن. ولكن أشكال الدفاع عن الحقوق اتخذت أشكالا جديدة في كافة القطاعات. ومنهم التنسيقيات ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات الدفاع عن المال العام. وهذه المؤسسات لا زالت بالمرصاد لمن يريدون محاربتها وازاحتها من المشهد الحقوقي وعلى رأسهم من يدعي أنه ” كان يساري” والآن، وقد اصطف في المريح من الصفوف، يقول بأعلى صوته أنه ضد من يريد بوطنه ومواطنيه خيرا في مواجهة الاغتناء السريع.
أن يفتتح مؤتمر حزب هو خليط حقيقي من متناقضات حقيقية بآيات بينات من القرآن الكريم تحث على قيم عليا والتمسك بها، فهذا تقليد متفق عليه ولكن أن تتبعه بنشيد منظمة 23 مارس، فذلك يؤكد أن السرقة التاريخية لنضال ثلة من شباب وطن ضحى بحياته وصحته ومسيرته المهنية لا يمكن أن تمر مر الكرام. ” لنا يا رفاق لقاء غدا…. سنأتي ولن نخلف الموعد… وهذي الجماهير في صفنا… ودرب النضال يمد إليها… سنشعلها ثورة في الجبال… ونشعلها ثورة في التلال… وفي كل شبر سنشعلها…”. ماذا يعني اختطاف هذا النشيد واستعماله في مؤتمر لحزب إختار ما لم يختره اليسار ولا زال وفيا لاختياراته ومنفتحا على كل السبل لتغيير واقعه ودمقرطة تدبيره العام. حزب يغني للنضال من أجل ثورة سبعينية لا يفهم تاريخها من تمت دعوتهم للمؤتمر، ويؤثث بها مؤتمرا لن يعترف به تاريخ ولا مكان ولا زمان.
ذكرني ما تابعته، عبر الكاميرا، في ما سمي بمؤتمر لحزب ” ثان ” في أغلبية حكومية، في ما جرى خلال السنين الأخيرة في مؤتمرات كثير من الأحزاب. لا تقرير سياسي ولا أرضية لسياسة مستقبلية ولا برنامج ولا لائحة للمنتدبين ولا آفاق مستقبلية. المهم هو تدبير تنظيمي عبر شركات تؤمن النظام داخل القاعة، ثم إخراج بالموسيقى والأضواء وكورال لا يؤدي جيدا نشيدنا الوطني. ثم محاولة للاستيلاء على نضالات شباب السبعينات الذين تعرضوا لأشكال التعذيب بدرب مولاي الشريف وغبييلة والمطار والذي غنوا رغم التعذيب كلاما صادقا ولو غطته 4 رومانسية جميلة: ” لنا يا رفاق لقاء غدا…سناتي ولن نخلف الموعد” . هؤلاء كانوا يحلمون بصدق ” أن الجماهير في صفنا… ودرب النضال يمد إليها…” ولكن أشباه السياسيين لم يعرفوا أن التغيير لا يأتي عبر مؤتمرات وأن مكاسب المغرب في مجال العدالة الانتقالية كان مصدرها سجن واعتقالات ومظاهرات ووعي تاريخي وإرادة سياسية ملكية. تعفف المناضلون الشرفاء عن استغلال زمن سياسي. ولكن غيرهم، قالوا كلاما كاذبا واستفادوا وغادروا وتركوا لعراة حفاة يعبدون المال والجاه والسلطة كل المجالات. لكن جميع المؤتمرات لن تعيق سير المحاكمات لحفظ الوطن من أفعال المفسدين والمفسدات. ملاحظة أخيرة. لماذا أصبحت المجاملات السياساوية في هذا المستوى من القبح في بلادنا. في زمن مضى، كان حضور المدعوين للمؤتمر حزبي يقتصر على من يشاركونه توجها سياسيا أو ايديولوجيا مع بعض الاختلاف. في يومنا أصبح حضور مؤتمر حزب كعرس أو جنازة. الكل يحضره ويجلس في الصف الأول. هذه ثقافة المجاملات وتوحد النخبة كما سماها ” جون واتيربوري صاحب كتاب ” أمير المؤمنين ” الذي صدر قبل عقود وكان ممنوعا. ولكنه متاح اليوم بصيغته الأولى وبترجمته العربية التي سهر عليها بأمانة وجرأة الأستاذ عبد الغني أبو العزم.
سئل أحد رواد اليوتوب رئيس المؤتمر الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة عن شعوره، وهو اليساري السابق، عن الغاية من هذا الحزب. كان الجواب مليئا بالحسرة والأسف وضرورة سلك سبل النقد الذاتي. لكل كامل الحرية في التنكر لماض لو كان له بالفعل هذا الماضي. ولكن الحقيقة أن بعض اليساريين الذين انخرطوا في مسلسل العدالة الإنتقالية كانوا على صواب. أما من ظن منهم أنه مؤهل لقيادة دون إنارة ومغلفة بوعود فقد ضاعت منه البوصلة وفقد رصيدا لن يعوض أبدأ. ولؤلاءك الذين ضاعوا في خضم ضبابة صيف أقول كفاكم ما أنتم فيه. رفاقكم الجدد لا يتابعون من أجل إلتزام فكري ونضالي ولكن من أجل أشياء أخرى سيقول فيها القانون الجنائي كلمته في مختلف درجات التقاضي. لا تهمني جمل زعيمكم الذي قال أن كل الأحزاب لديها من بيته من زجاج. فلتتكسر كل البيوت التي من زجاج وهي قد اغرقت بالوحل المحل.
أن تكون قيادة جماعية نتيجة لمؤتمر أو أن تنبثق عن مهرجان سياسي أشكالا جديدة على المشهد السياسي، فهذا له شيء من الأهمية. ولكن الأهم هو خلق بديل سياسي كان وعدا فصار وعيدا. أتمنى صادقا أن تنتصروا على ماض قريب صنعتموه بقوة ضعفكم أمام الإملاءات. هل قرأ من جعلتموه زعيما ورئيس جهة وهو المتخم بالعلم وقلة الشهادات. وقياديكم المفوهين وهم من لم يتقنوا فهم التدريس والخطابة والتفوق الدراسي والعلمي وحتى الصناعي. اللهم انك تعلم ما لا نعلم أن تحمينا من الهؤلاء. أما النشيد اليساري فاتركوه واسألوا عن مغزاه من أخطؤوا لحظة لغرض لا علاقة له بتغيير الواقع. ومن حسن حظي أن مناضلي الزمن الجميل لا زالوا يحلمون بالتغيير الديمقراطي الجميل. لا علاقة لي بالعدل والإحسان ولكن خطابهم الأخير فيه ما فيه.