تجسد مؤسستا العامل والوالي لَبنة أساسية في تنفيذ السياسات العمومية للدولة المغربية، باعتبارهما واحدتين من أبرز هيئات اللاتمركز للإدارة المغربية، اللتين تتمتعان بصلاحيات واسعة تجعلهما مثار نقاش دائم ومتواصل، خاصة في سياق تداخل هذه الصلاحيات مع ما يمنحه الدستور للهيئات المنتخبة من صلاحيات، بشأن تدبير الشأن المحلي والإقليمي والجهوي.
ولكي نعرف مدى الدور المحوري والحاسم للعامل والوالي في هيكل الهيئات اللاممركزة للإدارة، يكفي تْطّلع على الترسانة القانونية اللي تتجلى في عدة مراسيم قوانين وقوانين تنظيمية وظهائر، كلها تتنص على مهام عديدة وتداخلات وتدخّلات لرجُلي السلطة الساميين، العامل والوالي، في مناحي كثيرة، تحت عنوان كبير وبارز هو تنزيل أو المساهمة في تنزيل السياسات العمومية للدولة، ولاسيما السياسة التنموية؛ وهي الصلاحيات اللي تتشعب وتترسخ أكثر بدخول بلادنا زمن النموذج التنموي الجديد، اللي قدمت اللجنة الملكية المكلفة بإنجازه والتي ترأسها شكيب بنموسى، عرضا بشأنه أمام الملك أواخر ماي 2021، وما فتئت الحكومة الحالية تصرح بأنها ستعمل على أجرأته وتنزيله وفق التوجهات الملكية.
لن نخوض في تلك القوانين المتعددة التي تشرح بتدقيق أدوار وصلاحيات العمال والولاة، وسنكتفي بما جاء في أسمى تلك القوانين، وهو الدستور، حيث خصص المشرع الفصل 145 من دستور 2011، لتعداد التوجهات الكبرى لاختصاصات الولاة والعمال؛ حيث ذكر الفصل بأن ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، (يمثلون) السلطة المركزية في الجماعات الترابية. ويعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية.
كما نص الفصل المذكور على أن الولاة والعمال تيساعدو رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية. ويقومون تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها.
فالوُلاة والعُمال، وفق روح هذا النص الدستوري، يمثلون السلطة المركزية في الجماعات الترابية، أي على كافة المجالات الترابية الثلاثة، المحلية والإقليمية والجهوية، ويقومون بأدوار ضمان تنفيذ القانون وتطبيق القوانين التنظيمية للحكومة بل ويمارسون كذلك المراقبة الإدارية.
لكن الأكثر إثارة للجدل في اختصاصات الولاة والعمال هو تنصيص الدستور المغربي على أن الوالي والعامل يساعدان رؤساء الجماعات الترابية وأولهم رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية؛ هذه الصلاحيات وإن كان الدستور يلخصها في “المساعدة” فإن عديد القوانين ولاسيما القوانين المتعلقة بالمالية، تخول لهذين الموظفين الساميين اللاممركزين للدولة صلاحيات للتصديق وكذا صفة الآمر بالصرف، على الميزانيات المحلية ومجالس العمالات والأقاليم والجهات؛ ولعل ما تطالعنا به التقارير بشكل يومي تقريبا، من أن هناك مشاكل تعيق تنفيذ الميزانية المحلية أو الإقليمية أو الجهوية، لهذه الجماعة الترابية أو تلك، يكون مرده بالأساس إلى اعتراض العامل أو الوالي أو إبداؤهما لملاحظات، في إطار ما تخوله لهما سلطة الوصاية والقانون، من صلاحيات واسعة للمراقبة.
كما يخول الفصل الدستوري المذكور للولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين، صلاحية تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة أو الخارجية لباقي الإدارات المركزية، والسهر على حسن سير هذه المصالح، وهذا ما يرى فيه الكثير من المراقبين تدخلا أخطبوطيا لممثلي وزارة الداخلية، العمال والولاة، في باقي القطاعات الوزارية، عبر حشر أنفهم -قانونيا ودستوريا- في القطاعات اللاممركزة على مستوى الأقاليم والجهات..
ويبدو أن الصلاحيات/السلطات المخولة للولاة والعمال ومعهم مرؤوسوهم من باشوات وقواد وخليفات، برزت أكثر خلال الأزمة الوبائية بتفشي فيروس كورونا، حيث لمع أكثر نجمهما، طيلة ثلاث سنوات، في الوقت الذي توارى فيه إلى الخلف ممثلي باقي القطاعات الوزارية على المستوى اللامركزي، ورأينا كيف أن ممثلي وزارة الداخلية، هم من كانوا في خضم الأزمة المجتمعية على كافة الأصعدة وباحتكاك يومي مع المواطن.
الوضع الذي يثير الأسئلة يتعلق بالجماعات لي مرفحة وماناقصها خير، وهنا تيكون فيها التسير ديال الميزانية خاضع لبزاف ديال العوامل؛ ومنها المصالح بحيث في كثير من المرات تنشوفو سياسة “شد ليا نقطع ليك ما بين هاد الرئيس وهاد العامل او الوالي، ومنين تنقلبو تنلقاو كاين شي ريحة ديال شي حاجة ماشي هي هاديك، بل أكثر من ذلك والأخطر هو ملي تيكون الأمر تيتعلق بملايير صحاح إما تيوقع اختفاؤهم أو تيكون عليهم خلاف مابين المسؤول التمثيلي وما بين مسؤول السلطة الوصية.
هذه الصلاحيات لاشك أنها ستتخذ أبعادا أخرى أكثر توسعا وترسخا ، مع بدء تنفيذ النموذج التنموي الجديد، ولاسيما على صعيد المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية طبعا؛ فعندما تكون غايات هذا “النموذج الملكي” الذي تزامن مع الشروع في تنفيذ مشروع ملكي آخر، مر بط بالتغطية الصحية، وتقديم دعم مالي مباشر للأسر المعوزة، هو محاربة الهشاشة والفقر، وخلق فرص للشغل للعاطلين، فإن الوالي والعامل يكون في صلب المعادلة.
وضع يخلق بالنتيجة حالات تلاقٍ واصطدام سياسي على إثر اختلاف في التقدير أو التوجه مع رؤساء بعض الجماعات، والتي قد تتطور فيها الأمور لتصل إلى دواليب المحاكم الإدارية أو محاكم القضاء العادي، والتي في الغالب من يدفع فيها الثمن هو المسؤول التمثيلي، بما في ذلك إمكانية فقدانه الصفة الحزبية للونه السياسي، بينما المسؤول الوصي التابع لوزارة الداخلية يكون جزاؤه في أقصى الحالات التنقيل أو “گراج” وزارة الداخلية.