في الذكرى الأربعينية لرحيل محمد بنسعيد آيت يدر اخترنا في “نيشان” أن نقدم مقتطفات هامة من مذكراته التي صدرت عن مركز محمد بنسعيد آيت يدر للأبحاث والدراسات تحت عنوان “هكذا تكلم محمد بنسعيد” والذي القيادي اليساري والكاتب عبد الرحمان زكري، باعتبار الأحداث الهامة التي عايشها الراحل بنسعيد الذي عاشر ثلاثة ملوك، وكان في قلب الأحداث اللاهبة منذ الخمسينيات من القرن الماضي حتى وفاته،لعب دورا أساسيا في خلايا المقاومة وجيش التحرير، انخرط في حزب الاستقلال باكرا، وكان من أقطاب حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حكم عليه بالإعدام غيابيا وتعرض لأكثر من محاولة تصفية واغتيال، حتى تأسيسه لمنظمة 23 مارس وبعدها منظمة العمل الديمقراطي الشعبي وصولا إلى الحزب الاشتراكي الموحد.. في مذكرات نصادف أحداثا ووقائع مفصلية في تاريخ المغرب المعاصر باستعادتها ومحاولة تجديد قراءتها فهم لواقعنا السياسي ولمسار أمة تطمح لحقها في الكرامة والتقدم والتنمية.
الحلقة الرابغة عشرة:
تمردات هنا وهناك.. وعدم استقرار سياسي يستهدف تصفية الحركة الوطنية
تمردات عدة وقعت بعد حصول المغرب على استقلاله. ومنها كما أسلفت تلك التي قادها في يناير 1957 عدي أوبيهي عامل تافيلالت ضد الحكومة الاستقلالية، يقف من ورائه كل من لحسن اليوسي واثنان من الجنرالات الفرنسيين. لقد صوروا له أن الاستقلاليين استحوذوا على الحكم، بعد أن استغلوا الفترة التي سافر فيها محمد الخامس إلى إيطاليا للاستراحة مخلفا وراءه ولي عهده، فسلّح (عدي أوبيهي) جماعته ومنع موظفي العدلية والإدارة من أداء مهامهم. أما اليوسي فلاذ بالفرار حين أخْمِد التمرد، إلا أنه سيعود إلى المغرب بعد أن يعفو عنه الحسن الثاني. أما أحداث الريف عام 1958 فقد تسبب فيها نقل رفات عباس المسعدي من فاس إلى الحسيمة. وقد تم ذلك بفعل من الحركة الشعبية التي قامت على جثة المسعدي وبدعم من ولي العهد.
كان كل شيء قد بدأ بالهجوم على حزب الإصلاح وهو جزء من حزب الاستقلال في الوقت الذي كانت الأوامر قد صدرت ليقف الجيش الملكي على الحياد. لكن ما إن بدا أن شرارة التمرد قد تمس الملكية حتى تدخل ولي العهد باعتباره رئيس أركان الجيش والجنرال أوفقير فقمعت القوات المسلحة الملكية التمرد بعنف كبير استخدمت فيه الطائرات ومختلف أنواع الأسلحة. ومن يومها سيهمش الحسن الثاني منطقة الريف ويستثنيها من أي مشروع للتنمية كانت ستستفيد منه كباقي مناطق المغرب الأخرى. إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم كنت من مؤسسي الجامعات المتحدة التي سينبثق من صلبها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. والحق أن الهدف من إنشائها في البدء تمثل في الحفاظ على مؤسسات حزب الاستقلال، لا الانشقاق عنه كما وقع. وفي مقابلها أسس أحمد رضا اكديرة تكتلا أخر قدم نفسه على أنه المدافع الرسمي المزعوم عن المؤسسات الدستورية والملكية (الفديك).
في تلك الفترة ستختار الدولة الجناح الآخر من الحزب. وستراهن على حكومة عبد الله إبراهيم بدل حكومة أحمد بلافريج. وفعلا ستطرح الحكومة الجديدة التي تولى فيها عبد الرحيم بوعبيد شؤون الاقتصاد والمالية والمهدي بنبركة شؤون المؤسسات التشريعية وعبد الرحمان اليوسفي شؤون الإعلام، وحظيت بدعم من المقاومة عموما، برامج وطنية رائدة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي وعلى مستوى السياسة الخارجية. وسيتحمس لها في البداية الملك محمد الخامس دون أن يبدي أي اعتراض على توجهاتها الكبرى. غير أن المصالح الاستعمارية وأعوانها بالمغرب ستــــرى فيها
تهديدا لها من شأنه أن ينهي في المستقبل كل تبعية مغربية للخارج ويسمح للبلاد ببناء نفسها بالتعويل على إمكانياتها الذاتية… وهكذا بدأ أمسلسل وضع العراقيل أمامها بالجملة. لم تكن حكومة عبد الله إبراهيم تملك سلطة التصرف الكامل، لكنها نجحت في بلورة مشاريع مهمة في المجال الاقتصادي والمالي، ووضعت التصميم الخماسي الذي بإمكانه أن يحقق للمغرب نقلة نوعية في القطاع الفلاحي. وبموازاة هذه الحكومة، كانت ت حكومة أخرى تعمل، حكومة ظل، يرأسها ولي العهد. وقد سعت هذه الأخيرة بكل الوسائل لإسقاط الحكومة وإنهاء المسار الوطني الذي شقته بالمشاريع والخطط الكبرى. اعتقال اليوسفي والفقيه البصري كانت التهمة جاهزة: “المس بسيادة ومقدسات البلاد”. جاء ذلك إثر نشر مقال في جريدة التحرير الاتحادية عام .1959وتم تأويله بناء على تكييف مع التهمة المشار إليها. هكذا ستعتقل السلطات كلا من عبد الرحمان اليوسفي باعتباره رئيسا للتحرير ومحمد الفقيه البصري مدير نشر الصحيفة. من جهتنا بادرنا إلى عقد لقاء عاجل للنظر في هذا التطور الخطير في تعاطي الدولة مع رموز حركة التحرير الوطنية واعتبرنا الأمر ضربا لحرية التعبير. كان السؤال ينصب على تجاوز السلطة للخطوط المسطرة، فاليوسفي والبصري كأشخاص بالنسبة لنا، هما من أهم رموز المقاومة المغربية وحركة التحرير الوطنية، هما من وقفا في الصفوف الأمامية لحماية المقدسات وسعوا لاستعادة سيادة البلا
وبالتالي أن توجه إليهم تهمة بهذا الشكل أمر غير مقبول وينطوي على خطة مبيتة للنيل من حركة التحرير وإقصائها من المساهمة في وضع أسس مغرب الاستقلال المأمول. ولم يطل الانتظار حتى تكشفت لنا هذه الخطة عندما تم اعتقالنا نحن أيضا، لكن هذه المرة، بتهمة أخرى.