نشرت صحيفة LA VANGUARDIA الكتلونية في عددها ليومه الثلاثاء تقريرا مفصلا يتحدث عن عمليات تجسس قامت بها وزارة الداخلية الإسبانية على القنصل المغربي في برشلونة عام 2014 بعد شكها في دعمه للانفصاليين الكتلان.
ويقول التقرير إن الشرطة الوطنية تجسست على كبار المسؤولين المغاربة، مثل القنصل المغربي في برشلونة، لأنها كانت تشك في أن السلطات المغربية كانت متحالفة مع الانفصاليين الكتلان، حسب تحقيق أجرته المحطة الإذاعية الكتلونية “RAC1”.
وحسب ذات التقرير فإن الخوف داخل وزارة الداخلية في عهد الوزير خورخي فرنانديز دياز، من تحالف كاتالونيا مع المغرب كان كبيرًا لدرجة أن الوزير نفسه سمح بالمراقبة، وجمع المعلومات من المُخبرين السريين، واستخدام الأموال السرية لمحاولة معرفة ما إذا كانت الحكومة المغربية لديها اتفاق سري مع “الجنراليتات”، وهو البرلمان الكتلوني، الذي كان يرأسه آنذاك آرتور ماس.
بدأ النشاط البوليسي التجسسي، وفق تقرير ذات الصحيفة، في منتصف عام 2014 واستمر على الأقل لمدة عامين حتى عام 2016، على الرغم من أن الشكوك الأولى كانت في عام 2013، وفقًا لتوضيحات الإذاعة التي تمتلكها مجموعة “غودو” الإعلامية.
المسؤول عن العملية، وفق تقرير LA VANGUARDIA كان المفتش بيدرو إستيبان، خبير الشرطة الوطنية الإسبانية في مكافحة التطرف الجهادي. كان متمركزًا في برشلونة بصفته مسؤولًا عن قسم المعلومات، وبالتالي كان مسؤولًا عن جمع جميع البيانات الاستخباراتية المتاحة في كاتالونيا.
كما كان إستيبان، الذي شارك أيضًا في عمليات أخرى للشرطة السرية، يتواصل وينسق مباشرة مع وزير الداخلية فرنانديز دياز ورئيس الشرطة الإسبانية يوجينيو بينو.
تقارير سرية
حصلت محطة RAC1 على تقريرين سريين يعودان إلى سنتي 2014 و 2015 وُضعا على مكتب وزير الداخلية حينها، والتي تظهر مدى جدية القصة.
إضافة إلى الكثير من المعلومات الأخرى، تضم الوثيقتان السريتان محتوى الاجتماعات التي عقدها القنصل المغربي في برشلونة مع أشخاص من الجالية المغربية الذين، وفقًا للشرطة الوطنية، كانوا يدافعون عن التوجه الانفصالي للكتلان.
وكانت بداية التحقيق مع مؤسسة “الكتلان الجدد Nous Catalans” كما أفادت إذاعة RAC1 في تقرير نشرته على موقعها وقعه خوردي دي بلانيل.
وكان التحقيق مركزًا في البداية على هذه المؤسسة “Nous Catalans” التي كانت تهدف إلى تعزيز العلاقات مع المهاجرين الذين يعيشون في كاتالونيا، لكنه تطور بشكل كبير عندما زادت المخاوف داخل وزارة الداخلية الإسبانية من تحالف كاتالوني مغربي لتحقيق الاستقلال للإقليم الانفصالي.
كانوا مقتنعين بأن الحكومة الإقليمية لكاتالونيا كانت تمتلك استراتيجية للتقارب مع مختلف الجاليات المهاجرة التي تعيش في كاتالونيا لكسب تأييد لحركتهم الانفصالية، وكانوا يرون أن أحد محاور إنجاح هذا المشروع كانت مؤسسة ” الكتلان الجدد”، التي كان يرأسها آرتور ماس نفسه. هكذا جاء في مذكرة إعلامية في 10 أكتوبر 2014 وصلت إلى مكتب وزير الداخلية فرنانديث دياز.
وفي ذات الوثيقة السرية، حذروا من مؤسسة “الكتلان الجدد” بكونها مرتبطة بجمعية إسلامية تُدعى اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية في كاتالونيا، وهي جمعية تعمل، وفقًا لذات التحقيق، لصالح الدولة المغربية.
وزعم العملاء أن رئيس اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية في كاتالونيا كان جاسوسًا سريًا تابعا للمغرب، ووفقًا للمذكرة، لذلك تم طرده من إسبانيا في عام 2013 بتهمة التجسس.
تتوالى التحقيقات السرية، وبعد بضعة أشهر فقط، يتلقى وزير الداخلية فرنانديز دياز تقريرًا سريًا آخر؛ إنه وثيقة مؤرخة في شهر أبريل 2015، تظهر تطور الشكوك لدى الشرطة الوطنية: لم يكن لديهم تخوف كبير بعد من أن يتفاوض الانفصاليون مع المغرب؛ الخوف الذي كان لديهم حينها هو أن تستفيد الحكومة المغربية من هذه العلاقة مع الانفصاليين لكسب أنصار جدد للتسلل بينهم وتوجيههم من الداخل.
التقرير تجسس على عدة شخصيات بارزة في الجالية المغربية في كاتالونيا، ووثق محتوى بعض الاجتماعات في مكتب القنصل الرسمي للمغرب في كاتالونيا، غلام ميشان.
والمثير أن الجهات الأمنية كانت تتابعه عن كثب لدرجة أنها كانت تعلم حتى الأشياء التي يتم تسليمها له في هذه اللقاءات.
كانت الشرطة الوطنية تعتقد أن القنصل المغربي كان ينسق مع ممثلي الجالية المغربية في كاتالونيا لتضمينهم في القوائم الانتخابية لأحزاب مثل “Convergència” والتأكد من تقدمهم. كل هذا، وفقًا للمحققين، بمباركة من المغرب.
وفي النهاية، على الرغم من كل الوسائل المادية والبشرية المستخدمة، كان القرار الذي ارتآه وزير الداخلية فرنانديث دياز، الأنسب مع كل تلك المعلومات هو تسريبها إلى صحيفة، La Razón، التي اتهمت في عام 2015 الانفصاليين الكتلان بالتواطؤ مع المتطرفين الإسلاميين في ظل موجة الهجمات الإرهابية الجهادية في أوروبا.
حاولت جهات أخرى استخدام الأخبار المنشورة لفتح قضية في المحاكم ضد مؤسسة “الكتلان الجدد”، كما فعلت مع قضية “جوردي بويول”، الرئيس الأسبق ل”الجنيراليتات”، لكنها لم تحقق نجاحًا وبقيت هذه الأمور على حالها.
نفى الرئيس السابق للحكومة الإقليمية آرتور ماس، يوم الثلاثاء الماضي في تصريحات لراديو RAC1 وجود اتفاقات مع المغرب لدعم استقلال كتلونيا، مصرحاً “على الاطلاق، ما كان لدينا هو علاقة وثيقة مع السلك الدبلوماسي”، أوضح الرئيس السابق، الذي أشار أيضًا إلى الروابط الطيبة التي تجمعه مع الجالية المغربية المقيمة في كاتالونيا.
ماس، أكد أيضا أن لديهم علاقات دبلوماسية مع عدة دول أخرى، مشددا على أن الاعتقاد بأن كاتالونيا كانت لديها اتفاقات سرية مع المغرب هو “ضرب من الخيال”، مشيرا إلى أن “تجسس على القنصل العام هو تجسس على الدولة”.