من الغريب أن تُلْصَقَ بالمغاربة أعمال السحر والشعوذة، رغم أن عدد العفاريت التي تشتغل في بعض البلدان العربية يفوق عدد الآدميين، والبعض يملك جيوشاً جرّارة من المنجّمين و”الشوّافات”، لكنّ بلادنا ورثت هذه الصورة النمطية دون غيرها. ولا شك أننا نحتاج إلى دراسات مقارنة كي نعرف هل القضية مجرد استيهامات وأحكام مسبقة أم واقع لا غبار عليه؟
مؤخرا قرأت أن 69% من المغاربة يؤمنون بوجود السحر، حسب إحدى الدراسات، لكن الإيمان شيء، والتعاطي شيء آخر. المؤكد أن كثيرا من المواطنين يذهبون الى العرافات والمشعوذين والرقاة، إما عن جهل أو ضعف أو يأس أو لأسباب أخرى. وثمة أشخاص لا يؤمنون بالسحر، ومع ذلك يذهبون عند “الشوّافات”، على سبيل الاكتشاف والتسلية والفضول، والسخرية أحيانًا…
في أحد روبورتاجات برنامج “Groland” الساخر على “كنال بلوس”، يسأل الصحافي أحد المنجّمين: أنت إذن تستطيع أن تتنبأ بما يحدث في المستقبل؟ فيردّ بثقة كبيرة: أجل… هنا يرفع الصحافي كفّه ويهوي على حنك المشعوذ، ثم يقول له متهكّما: وهاته الصفعة، كيف لمْ تتوقعها؟ … قبل أن يختم ضاحكا: أرأيتم؟ يكفي أن تصفع المنجم كي تفضح احتياله!
الصفع هو الحلّ أحيانا… أو الاستسلام للسحر. حكى لي صديق كان يدرّس في إحدى البلدات النائية، أن أحد المعلّمين وقع في حبّ زميلة له، ولأنه كان متزوجا ولديه أولاد تركهم في مدينته الأصلية، فقد قرر أصدقاؤه أن يذهبوا عنده جماعة ويخبروه بما يعرفون عن هذه المعلمة، التي كانت تتعاطى للشعوذة، ولا يشكّون أنها “وكّلاتو شي سبرديلة” كي يقع في الشباك… استقبل المعلم أصدقاءه بما يليق وأنصت لنصائحهم وشكرهم، لكنه في اليوم الموالي جمع حقائبه وذهب ليسكن مع عشيقته. وكلما التقاه واحد منهم وعاتبه، يردّ عليه: “سحرات لي بنت لحرام، ماعندي ما ندير…” أعطوه المبرّر الذي كان يفتش عنه كي يستسلم لسحر حبيبته، والسحر أنواع طبعا.
قبل أيام فقط، أوقفت السلطات في تنغير عصابة تقودها سيدة تنصب على الناس بطريقة جهنمية. المحتالة تملك صندوقا قديما، تدعي أن عفريتا يسكنه، يكفي أن تضع مبلغا حتى يتكفل صديقنا حمو بمضاعفته. حمّو هو اسم الجنّيّ الذي يقيم في الصندوق. عيسى عليه السلام كان يضاعف الخبز و”حمّو الجنّ” يضاعف المال، ولكل واحد أتباعه. أتباع حمّو ناهزوا الستين، ممن تم النصب عليهم بنجاح، ولجأوا الى السلطة كي تعيد لهم أموالهم، التي دخلت إلى العلبة ولم تخرج أبدا…
الكذاب يحتاج إلى طماع، لذلك كانت مع المحتالة شريكة تستدرج من يريد مضاعفة أمواله، دون الحاجة الى بنوك أو مشاريع استثمارية. أولى الزبائن تضاعفت أموالهم، ونشروا سعادتهم بين الناس، مما أمّن دعاية جيدة للصندوق، وبات سكان المنطقة يفتشون عن بركته. هنا بالضبط بدأ الاحتيال، وظهر أن حمو فعلا “عفريت”، لا يتورع عن لهف أموال المغفلين. ستون ضحية سقطوا في الشبكة. وكلما احتج واحد منهم، تقول له النصابة إن المشكلة ليست في الصندوق بل في فلوسه، لأن “الجنّ” يضاعف الأموال التي جمعت بطرق مشروعة، أما تلك التي تحوم حولها الشبهات فإنه يبتلعها مثل ثقب أسود. الحلال بيّن والحرام بيّن. لكن تَحَوُّلَ “حمّو الجنّ” من مسيح يحقق المعجزات الى بوليسي يصادر الأموال المشبوهة لم يعجِب الناس، ودفعهم الى تقديم شكاوى لدى السلطات، مما أدى إلى اعتقال أفراد العصابة، واختفاء العفريت النفريت. المثير في القصة أن الضحايا تعرّضوا للنصب والتشهير، في وقت واحد. فقدوا كل مدخراتهم وتعرضت سمعتهم للتشويه، لأن الجنّيّ قرر أن أموالهم مشبوهة، وصادرها دون أن يرف له جفن!
ويبدو أن “حمّو الجنّ”، قبل أن يشتغل في صندوق قديم في تنغير، كان موظفا محترما في البنك… وإلا كيف نفهم ما جرى في وكالة البنك الشعبي بالعيايدة في سلا؟ كيف نفسّر اختفاء ما يناهز 340 مليون من حساب 14 زبونا، تماما مثلما اختفت مدخرات التنغيريين في الصندوق العجيب؟
الوقائع تعود لبضع سنوات، لكن الحكم في القضية صدر قبل أيام. مديرة الوكالة البنكية، التي أدينت بخمس سنوات، اعترفت أمام القاضي أنها حولت تلك المبالغ الى حساب أحد المقاولين، على دفعات، لكنها أقسمت أنها كانت تحت تأثير السحر والشعوذة، في كل مرة، وبالتالي فإنها غير مسؤولة عن أفعالها…
المسؤول طبعا هو العفريت الذي يبدو أنه تسلّل إلى عدد كبير من مرافق الدولة وسرق ونهب ولهف وهرف، قبل أن يختفي كما يفعل أي جنّيّ. وليس لديّ شك في أن “حمّو الجنّ” هو أول عضو نكتشف هويته في عصابة “العفاريت والتماسيح” الشهيرة، التي طالما حذرنا منها عبد الإله بنكيران، الله يدكرو بخير، أيام كان رئيسا للحكومة، وكثيرون لم يصدقوه… ايوا قولوا باسم الله الرحمان الرحيم!
القبض على واحد من “التماسيح والعفاريت”!
بواسطة جمال بودومة