صنعت الجزائر البوليساريو وغايتها استنزاف المغرب وإفلاسه وإضعافه وتقزيم حجمه، عبر دفع وتشجيع ورعاية انفصال جنوبه عن وسطه وشماله، وابتزاز وسرقة حقوق المغرب الترابية في الصحراء الشرقية، والضغط عليه لإسكاته عن المطالبة بها.. السبب المباشر لحرب الرمال بينهما.
وغاية الجزائر من كل ذلك هو التوسع والبحث عن منفذ بحري على المحيط الأطلسي يمكنها من استغلال مواردها الطبيعية في جنوبها وغربها، والظفر والانفراد بدور الدولة القائدة في المنطقة المغاربية، وفق ما تسميه الآن “بالقوة الضاربة”.
وحسابات الجزائر ليست مستقلة عن خدمتها لأجندات فرنسا في المنطقة وفي الساحل والصحراء. وقد أدوى وأثبت صراع القوى الكبرى الحالي حول السوق الأفريقية وموارد إفريقيا، وفضل عروض الشراكة مع الأفارقة -الذي يختلف ويتناقض عن سياسة التبعية التي تنهجها وتفرضها فرنسا- إلى انكماش وتراجع سريع للدور والمجال الفرنسي، وأظهر علاقة فرنسا وتدخلها بواسطة الجزائر في كل تجليات الصراعات والمشاكل الداخلية والنزاعات العسكرية البينية الأفريقية على شمال افريقيا وفي الساحل والصحراء.
وقد شجع الجزائر على نهجها ووقوفها ضد مصالح المغرب، إجراؤها قراءة لواقع مغربي داخلي متشنج أواخر الستينات وبداية عقد السبعينات، وخروجها باستنتاج خاطئ حول إمكانية استغلاله لتنفيذ مخططها لإضعاف المغرب وتقسيمه. إذ تميزت تلك الفترة بمنافسة ومزاحمة وصلت حد الصراع حول السلطة ضد الملكية. تارة من طرف الجيش، وتارة أخرى مع أحزاب الحركة الوطنية.
فاختلاف مرجعيات هذه الأحزاب انعكس مباشرة، من خلال تباين مواقفها، جدالا في القضايا الوطنية حول ماهية وهوية الدولة؟ وحدود الإقليم؟ والشرعية السياسية؟؛ بين حزب الاستقلال الذي يؤمن بحدود الإمبراطورية المغربية تاريخيا، ولا يعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار! والاتحاد الاشتراكي الذي يؤمن بتقرير المصير، وجزء من اليسار المتطرف ضمنه المستعد للقبول بالاستفتاء والتنازل عن الاقليم! والملكية التي اعتنقت الواقعية والبراغماتية الوطنية التي تعزز المناعة الداخلية، وتحصن المكاسب الوطنية وترسخها وتحتفظ بالحق في استكمال الحقوق الترابية، ونجحت في ذلك.
بيد أنه عبر استمرار استقرار الأوضاع في المغرب وعدم القدرة على تغييرها بصموده وإصراره وعدم استسلامه أو تنازله عن حقوق يعتبرها ثوابت دستورية، سواء خلال مرحلة الحرب التي امتدت من 1975 إلى سنة 1991 وخلال الفترة القانونية في إطار خطة التسوية إلى غاية 2006، وطيلة المرحلة السياسية من 2007 إلى الآن، تمكن المغرب على إثرها من المساهمة في قلب الوضع لصالحه وتَحَوَّلَت “البوليساريو الجزائرية” من تهديد لوجود المغرب كدولة أمة متجذرة في التاريخ، إلى أساس لقاعدة مجتمعية متماسكة وصلبة، وسبب معضد لوعي وإجماع وطني يجعل البوليساريو تدخلا عدائيا جزائريا لزعزعة وحدته واستقراره.
فانصرام الوقت ومروره دون تحقيق أي نتيجة تذكر عامل حاسم لتآكل الهدف الأساسي من خلق البوليساريو، بعد استحالة تطبيق الجزائر لوعودها وعسر تنفيذها والوصول إليها، وهو ما جعل طبيعة البوليساريو ووظيفتها تتغيران؛ بشكل جذري جوهريا وغير مرئي مظهريا.
فتحول البوليساريو من سلاح موجه ضد المغرب لتمزيقه واضعافه وإسقاط نظامه الملكي، إلى تناقض جزائري محض وسبب لإهدار قدرات دولة الجزائر وحقوق الشعب الجزائري، يهدد وحدة الجزائر واستمرار وجودها، ويشوهها من الخارج.
والأحداث تتسارع لإثبات علاقات البوليساريو بوقائع إرهابية وبيع السلاح لجماعات إرهابية وربط ذلك بمسؤولية الجزائر القانونية والمادية.
فالاستراتيجية الجزائرية الأولى من خلق البوليساريو تغيرت وانتقلت من سياسة نظام ضد وحدة المغرب ونظامه الملكي إلى وسيلة يتم استغلالها من طرف العسكر الجزائري لانتهاك حقوق وحريات الشعب الجزائري السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسيادية، وأداة في يده لاختلاس وتبديد المال العام الجزائري. واستقرت حاليا كعقيدة لاستمرار الجيش في السلطة، حيث يعتبر الحل في نزاع الصحراء المغربية من الأمن القومي للجزائر.
وهكذا أصبحت البوليساريو جزءا من مشاكل باطنية جزائرية، بعد أن استعصى على الأخيرة إيجاد مستقر للبوليساريو خارج مجال الجزائر وفي أرض مغربية. أو تصديره إلى المنطقة العازلة كحد أدنى حددته منذ 2014. وهي الخطط التي تصدى لها المغرب وواجهها على مستوى مجلس الأمن وفي الميدان ببسط مراقبته على الحركة فيها.
كما استحال على الجزائر التنصل من البوليساريو أو التخلي عنه. فهي في نظر الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان الأممي تدبير ومسؤولية داخلية جزائرية. وهو حل داخلي جزائري وفقا لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان في إطار اتفاقية اللجوء، الذي حدد كحل لإنهاء وضع وحالة اللجوء إدماج البوليساريو كمكون لبنيان المجتمع الجزائري. الحل الذي يرفضه الجزائر ولا يقبل به.
وظهرت الجزائر تبعا لكل ذلك عنوانا بارزا لسياسة نظام عسكري جزائري يشجع على الانفصال والتقسيم، ومظهر انفصامه وتناقضه وإحراجه. فهو نظام يشجع على تقرير المصير في الخارج ويرفضه داخليا. وها هي حركة المالك تعلن استقلال منطقة القبايل في شمال الجزائر، وحركات أخرى في الجنوب ترفع مطالب العدالة المجالية والحقوق الاجتماعية وحق الاستفادة من مواردها الطبيعية في كل من بتمنراست وغرداية وفي الحدود مع مالي وفي الشرق في حدودها مع ليبيا كبداية لمطالب بالاستقلال.
وبالمقابل فالمغرب اتخذ من صنع البوليساريو من طرف الجزائر تحديا وحافزا لتعزيز المناعة والإجماع المجتمعي وتحقيق إقلاع وتنمية اقتصادية، وحق تذكير الجزائر بالمبدأ الأخلاقي الراسخ “بَاشْ تَقْتَلْ بَاشْ تْمُوتْ”.
*محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.