أعلنت الحكومة ومعها بعض النقابات وسط كثير من التطبيل والاستعراض و”الطنز” زيادة في أجور الموظفين بالتقسيط، مع ترحيل الزيادة في أجور القطاع الخاص.
الزيادة التي جاءت لشراء السلم الاجتماعي، هي جزء من صفقة مسمومة بين الحكومة و بعض النقابات لتمرير إجراءات مُؤلمة، تهُم تقاعد ملايين “الحوفارة” و”الموظفين”.
من جديد نقول أن التاريخ لن يسامح النقابات التي تواطئت في كل مرة لتمرير صفقات تحت عنوان ” الحوار الاجتماعي”.
يكفي أن نحيل هنا على الخطاب الذي نبه فيه الملك لعدم “القدرة على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، والحد من الفوارق الاجتماعية، والتفاوتات المجالية”، وتحسين ظروف عيش المغاربة، وأساسا تعزيز الطبقة المتوسطة التي تسعى الحكومة لاستنزافها بكل الوسائل لسد عجز الميزانية.
لا ندري فعلا إذا كان رئيس الحكومة يتابع كيف يتحول المغرب يوما بعد يوم إلى مهرجان للإضرابات، والاحتجاجات والمسيرات والسخط الشعبي.
يحدث هذا في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة والنقابات مهمة تبادل الأدوار في مسرحية الحوار الاجتماعي، الذي بات حجم الأمل المعقود عليه ضئيلا للغاية، أمام عمق الأزمة التي يترجمها الأفق المسدود الذي وصلنا إليه في عدة مجالات.
لقد كان مطلوبا من الحكومة أن ترفع الإيقاع بعد أن نبهت أعلى سلطة بالبلاد لضرورة التعجيل بتجاوز التأخر الحاصل في القطاعات الاجتماعية، وتدارك النواقص المسجلة،والتفاعل مع حاجيات ومتطلبات المواطنين وخاصة فئة الشباب.
لكن ما نعاينه أن الحكومة تقف مُنتشية أمام تفشي الغلاء،وتغول الفساد،وتفاقم الركود والتضخم،وهي تُطبل لمنح الأسر الفقيرة 500 درهم لتسحبها منها لاحقا،بدعوى “انتصاب” المؤشر.
اليوم أيضا بدا واضحا عجز الحكومة عن تقديم بدائل حقيقية في مجال التشغيل بعد فقاعة مليوني فرصة شغل لتأتي المبادرة من الملك.
كما عجزت عن تقديم عرض اجتماعي شامل كفيل بإخراج البلد والمغاربة من حالة الاختناق التي صرنا نتقاسمها جميعا.
واقع يؤكد أننا نسير بدون بوصلة فيما يتعلق بخطة التنمية المستدامة لسنة2030.
كما يؤكد أن اخنوش وفريقه الحكومي يعانيان من كساد، وركود في العرض، لا يتناسب إطلاقا مع حجم الطلب المتزايد للشارع، لذا ارتأت الحكومة إعادة تدوير بعض الالتزامات المؤجلة، لملأ الفراغ.
لن نلوم الحكومة فهي كالمنشار..
ما يهمنا هي النقابات التي ركبت مثل “لالة العروسة” فوق العمارية الحكومية، في انتظار أن ينكشف حجم الصداق، والمتعة، بعد الإعلان عن تفاصيل إصلاح التقاعد الذي سيدفع المغاربة ثمنه، بعد تبديد مئات الملايير من أموالهم في مغامرات استثمارية من طرف صندوق الإيداع والتدبير.
النقابات حضرت لـ”ضريب الصداق” بشيوخ بعضهم عاجز عن الحركة، وقد يكون عاجزا عن قضاء حاجته، وبعضهم تحول لملياردير يُجدد الولايات لنفسه بالبلطجية بالكلاب والمتاريس تحت غطاء النضال.
الواقع أن النقابات صارت مثل جثة تبيع يدها للحكومة، بل وصارت مثل “مقاطعة” للمصادقة على تصحيح إمضاء رئيس الحكومة كما عاينا في اتفاق الحوار الاجتماعي.
موت النقابات سبق وأن اتضح بعد أن كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن أرقام جد مخجلة.
المندوبية قالت أن معظم السكان النشيطين المشتغلين (%95,7) غير منخرطين في أية نقابة أو منظمة مهنية، في حين تصل النسبة في صفوف المستأجرين إلى %92,8.
هذه الأرقام الصادمة دليل آخر على حالة الكساد والإفلاس التي دخلت فيها النقابات منذ أن فرطت في نفسها، وأصبحت رهينة في يد زعامات تعود لما قبل انهيار المعسكر الشرقي.
كما تحولت لأداة في يد وجوه قديمة، حولتها إلى سجل تجاري من خلال تعبيد الطريق لولاية ثالثة ورابعة بعد تعديل القانون نزولا عند “رغبة المناضلين وجماهير الطبقة الشغيلة”.
الغريب أن هذه الأرقام التي تعد بمثابة شهادة وفاة للنقابات تتناقض تماما مع الحروب الشرسة، والصراعات والانقلابات التي تغرق فيها هاته الهيئات التي تستفيد من المال العام تحت غطاء “النضال.
“النضال” الذي حمل تعريفا آخر بفعل الريع، وإكراميات التفرغ والسمسرة والصفقات المالية والسياسية التي تتخذ من العمل النقابي غطاءا، وقنطرة سريعة للإثراء على حساب مطالب العمال.
لقد كانت احتفالات فاتح ماي الماضي جنازة حقيقية جديدة عاينا فيه نقابات بدون صوت أو صدى، لكن ذلك لم يشكل عامل قلق للجاثمين على هاته الهيئات، أو الأحزاب التي تدور في فلكها والتي لا يختلف حالها كثيرا، في ضل عزوف المواطنين عن العمل السياسي والحزبي، واتساع رقعة المقاطعين للعملية الانتخابية .
تفعيل قانون النقابات، و وجود نقابات قوية، وشفافة، لا تتهرب من كشف حساباتها، هو أمر ضروري، لتنمية الحراك الاجتماعي، والحفاظ على التوازنات في أي بلد له نية خالصة للسير في طريق الديمقراطية الطويل، ولو بإيقاع بطيء.
لكن ما نعاينه اليوم هو أننا أصبحنا أمام أحزاب مفصولة عن الشارع، والواقع، ومجتمع مدني مُدجن، ونقابات فارغة بدون قواعد أو مصداقية.
الخلاصة أن الحوار الاجتماعي صار مثل برنامج “لالة العروسة”.. شي كيتبهدل هو وطاسيلتو مقابل بارطما.. شي كيتفرج ويضحك بشماتة.. وشي كيربح ديما زبالة ديال لفلوس على ظهر المشاركين والمتفرجين.