أول ما يتبادر الى الذهن عند الحديث عن الدعارة، الغرف الحمراء، والأسِرّة المخملية، المباني المهجورة والشوارع الخلفية المظلمة، لكن هل فكرت يومًا في الدعارة الرقمية؟ هذا العالم المظلم الذي يستهدف الفتيات والنساء بمختلف فئاتهن ويتغلغل إلى حياتهن الخاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والشات الإلكتروني، فماذا يخفي هذا العالم المجهول ؟ .
في هذا التحقيق الصحفي، تستغور “نيشان” الجوانب المظلمة لعالم الدعارة الرقمية، وكيف ساهمت الأرباح المُتأتية من هذا “النشاط المحظور”، في اغراء نساء مثقفات وأخريات متزوجات، وجدن أنفسهن متورطات في هاته السوق، يعرضن أجسادهن عارية أمام “الزبائن” الذين يدفعون مقابل هذه الخدمة.
التكنولوجيا في خدمة الدعارة
في عالم تحولت فيه التقنية إلى جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، يوجد جانب خطير ومظلم يستقطب جزءا كبيرا من ممتهنات “الدعارة الخفية”، وتحديداً عبر الشات الإلكتروني أو ما يصطلح عليه بالشات كام. فالتكنولوجيا والإنترنت أصبحتا الوسيلتين الأساسيتين اللتين تستخدمهما “تجارة الجنس الرقمية” للتسويق وجذب الزبائن، عبر تطبيقات مختلفة ومتنوعة تختص في تجارة الجنس، إلى جانب التطبيقات الموجهة لهذا الغرض. مواقع وتطبيقات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن هذا النوع من الدعارة بات يخضع للتنظيم والادارة بشكل احترافي ويشمل نشاطات تسويقية وتجارية، مثل التسويق عبر الإنترنت والشات والترويج للخدمات الجنسية وتحديد الأسعار وتوفير الخدمات الجنسية المختلفة للزبائن.
أساليب جديدة أضحت تلجأ اليها فئة عريضة من الفتيات، لتسهيل “ممارسة الدعارة” وجعلها أكثر سرية، وهذا ما أدى إلى ظهور الدعارة الرقمية. حيث يستخدم هؤلاء الممارسات لهذا النوع من “الدعارة”، تطبيقات التواصل الاجتماعي كوسيلة لإصطياد زبائنهن. يتم الترويج لخدماتهن بشكل مباشر أو غير مباشر، باستخدام أساليب مثيرة ومغرية للباحثين عن المتعة والتسلية. وبمجرد الاتصال بالعميل المهتم، يتم ترتيب الموعد وتحديد مكان اللقاء افتراضيا.
مغربيات في براثن الدعارة الرقمية
انتشرت ظاهرة “الدعارة الرقمية” أو “الكام شات” بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وهي تعني استخدام الإنترنت والتطبيقات الإلكترونية لعرض الجسد عارياً أو متحركاً أو لبيع/ تقديم أي نوع من الخدمات الجنسية على الكاميرا، مقابل مبالغ مالية تتفق عليها الفتيات المشاركات في هذه الأنشطة.
على الرغم من أن الدعارة بجميع أصنافها غير قانونية في المغرب ويعاقب عليها القانون، إلا أن الكثير من الفتيات اللواتي يعانين من ظروف اجتماعية صعبة يلجأن إليها بسبب الحاجة المالية.
تختلف وتتنوع طرق استدراج النساء المغربيات لدخول مجال الدعارة الرقمية، ومن بينها “تقديم الوعود لهن” من طرف “سماسرة أجانب” بحياة مادية أفضل وبالأموال السريعة والسهلة، بالإضافة إلى الحيل والخدع التي تُستخدم لجذبهن وإقناعهن بالانضمام إلى هذا المجال المربح. ويتم ذلك عادة عن طريق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة، حيث يتم التواصل مع النساء المستهدفات وتقديم العروض المغرية لهن. وبمجرد دخولهن إلى هذا المجال، يجدن أنفسهن عالقات في دوامة من المشاكل والأخطار المتراكمة، فيصبح من الصعب عليهن الخروج من هذا العالم المظلم.
أرباح طائلة وخسائر نفسية
يعتبر العمل في مجال الدعارة الرقمية عبر الشات كام من الأنشطة المذرة للربح، ويمكن للفتيات اللواتي يعملن في هذا المجال جني مبالغ مالية كبيرة في وقت قصير. وفي المغرب، يعتبر هذا المجال من الأنشطة التجارية المزدهرة، ولكنها في الوقت ذاته محفوفة بالمخاطر والتحديات.
شبكات عالمية منظمة تعمل في هذا المجال وتدير “غرفا رقمية” مدفوعة. تقوم هذه الشبكات بتوظيف النساء والفتيات لتقديم خدماتهن في الغرف المغلقة للعملاء. وعادةً ما تتلقى هذه الشبكات نسبة من الأرباح التي يتم جنيها من هذه الخدمات. ويتم توزيع هذه الأرباح بين المشغلين والعاملات في الشبكة.
يمكن لفتاة واحدة جني ما يصل إلى 10 آلاف درهم شهريًا، وهو ما يعادل 1000 دولار أمريكي، ولكن هذا الرقم يختلف حسب عدد الساعات التي تعمل فيها الفتاة وحسب المنصة التي تستخدمها
من الصعب الحصول على أرقام دقيقة حول الأرباح الناتجة عن هذا النوع من الشات المدفوع، وذلك لأن العمليات فيها غير شفافة وتتم على نطاق صغير ومحدود. ومع ذلك، يمكن للفتيات والنساء العاملات في هذا المجال تحقيق أرباح جيدة تتراوح بين العشرات والمئات من الدولارات يومياً، وذلك وفقاً للعديد من الشهادات التي جمعتها “نيشان” من بعض العاملات في هذا المجال عبر مختلف التطبيقات. يعتمد ذلك على عدة عوامل، مثل جودة الخدمة المقدمة، عدد العملاء الذين يتصلون، ومدة الوقت الذي يقضيه العملاء في الدردشة المدفوعة.
تشير التقديرات إلى أنه يمكن لفتاة واحدة جني ما يصل إلى 10 آلاف درهم شهريًا، وهو ما يعادل 1000 دولار أمريكي، ولكن هذا الرقم يختلف حسب عدد الساعات التي تعمل فيها الفتاة وحسب المنصة التي تستخدمها. وسبق لتقارير غير رسمية التأكيد، على أن المتاجرين في الدعارة الرقمية يستطيعون جني ما يصل إلى 30 ألف درهم شهريًا من هذا النشاط، وهو ما يعادل 3000 دولار أمريكي.
وتشير الإحصائيات إلى أن هذا النشاط ينمو بشكل مستمر في المغرب، حيث يعتبر المغرب واحداً من الدول التي تعرف اقبالا متزايدا على هذا النوع من “الدعارة” ، إذ تشير احصاءات موقع “تراندشات بوي” الى تواجد ما يناهز 10 آلاف فتاة مغربية تعمل في هذا المجال، يتمركزن في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، طنجة، مراكش وفاس، فيما يقدم أخريات خدماتهن انطلاقا من دول الاقامة خاصة تركيا وبعض دول الخليج.
عالم الدعارة الرقمية في المغرب: بين الفساد والإغراء
تختلف قصص النساء اللواتي يعملن في هذا المجال، فبينما تعتبره بعضهن وسيلة سريعة لجني المال وتحقيق مدخول يومي أو تأمين المستقبل، تعاني بعضهن من ضغوط نفسية وعاطفية كبيرة. البعض منهن يفتخرن بعملهن في هذا المجال وما يحققنه من أموال، ومنهن من يعانين من الخجل والحرج ووخز الضمير، ولا يستطعن التحدث عن ذلك مع أحد.
مجال محفوف بالمخاطر، فبالإضافة إلى التبعات الأمنية والقانونية التي يتعرضن لها، فإن العديد من النساء اللواتي يعملن في هذا المجال يعانين من ضغوط نفسية كبيرة. بعض العملاء يطلبون مطالب “شاذة”، وتضطر “مقدمة الخدمة” الى تنفيذها، وذلك بسبب الحاجة الماسة إلى المال. يعانين أيضاً من العزلة الاجتماعية، حيث تشعر بعضهن بالعار والخجل من عملهن، ما يؤدي إلى عزلتهن عن المجتمع وعن الأسرة والأصدقاء.
بعضهن يفتخرن بعملهن في هذا المجال وما يحققنه من أموال، ومنهن من يعانين من الخجل والحرج ووخز الضمير، ولا يستطعن التحدث عن ذلك مع أحد.
على الرغم من أن بعض النساء يدخلن هذا المجال بمحض ارادتهن، إلا أن فئة كبيرة منهن يفعلن ذلك بسبب الفقر وعدم القدرة على تأمين لقمة العيش لأنفسهن وأسرهن.
علاوة على ذلك، فإن عمليات الدفع المالية في هذا المجال غير شفافة ويصعب تتبعها، مما يؤدي إلى عدم تحديد الدخل الفعلي للنساء العاملات فيه، وهو ما يعني أن الدخل الذي يتم تحقيقه قد يكون أعلى أو أقل من المعلن عنه. دون أن ينفي ذلك جني بعض هؤلاء “الممتهنات” لأرباح طائلة من هذا المجال.
شهادات صادمة لعاملات في مجال الدعارة الرقمية
الأمر لا يقتصر فقط على المنتميات الى الطبقات الفقيرة، بل يتجاوزه الى بعض الفتيات الميسورات والمثقفات، اللواتي لجأن الى “الدعارة الرقمية” بحثاً عن دخل إضافي.
صحفي “نيشان” تقمص شخصية “دكتور أمريكي في علم الاجتماع”، وتواصل مع بعض الفتيات المغربيات المعنيات بهذا الموضوع، ليؤكدن له لجوئهن الى هذا “النوع من الدعارة”، بسبب الحاجة للمال وتحسين المستوى الاجتماعي، وكذا الرغبة في تحقيق أحلامهن، فيما بعضهن يتعرضن للابتزاز والتهديد، والبعض الآخر يرغب في خوض مغامرة جديدة.
كانت الأمور جيدة في البداية، كنت أحصل على مبالغ محترمة وأشعر بالراحة النفسية لأن ذلك سيحسن مستواي الاجتماعي. لكن بعد فترة قصيرة بدأ الأمر يتحول إلى جحيم، فقدت السيطرة على جسدي ولم أعد اقوى على التوقف
التحقيق أظهر أيضا صورة مختلفة عما كنا نعتقده. فالفتيات اللاتي ينشطن في هذا المجال لسن فقيرات بالضرورة، بل بعضهن يعملن في مهن مرموقة كالتدريس ومراكز النداء والإدارة. ورغم ذلك، يعتبرن الكام شات وعرض الجسد عاريا على الإنترنت وسيلة للحصول على دخل إضافي يمكنهن من تحسين مستوى حياتهن المادي.
وصفت لنا إحدى “الممتهنات” ما حدث لها بسبب قرارها العمل في هذا المجال، قائلة : “كانت الأمور جيدة في البداية، كنت أحصل على مبالغ محترمة وأشعر بالراحة النفسية لأن ذلك سيحسن مستواي الاجتماعي. لكن بعد فترة قصيرة بدأ الأمر يتحول إلى جحيم، فقدت السيطرة على جسدي ولم أعد اقوى على التوقف”.
وتحكي أخرى قائلة ” لم أكن أعرف أي شيء عن الكام شات قبل أن تقترحه عليّ صديقة مقربة”، “لكن عندما سمعت أنه يمكنني الحصول على المال من خلال عرض جسدي، قررت أن أجربه. كان ذلك أشبه بالإدمان. بمجرد ما بدأت لم أستطع التوقف. كانت الأموال سهلة وكان من الصعب العودة إلى العمل العادي”.
سناء.م (اسم مستعار) واحدة من الفتيات المتعلمات اللواتي وقعن في شبكة الدعارة الرقكية، تحكي تجربتها قائلة “أنا طالبة ولا أستطيع تحمل تكاليف الدراسة، ولم يكن لدي أي وظيفة. لذلك قررت العمل في الكام شات لجلب المال وتمويل دراستي. شعرتُ بالذنب بسبب ذلك في البداية، لكن فيما بعد أصبحت أعتبره مجرد وسيلة لجلب الأموال بسرعة”.
شهادات أخرى لنساء موظفات ومتعلمات
“كنت أشتغل في “شركة خاصة” ولكن بسبب جائحة كوفيد، فقدت وظيفتي وكنت ملتزمة بالعديد من النفقات الشهرية من بينها أقساط المنزل والسيارة، لذا قررت تجربة الكام شات وتقديم عروض عارية. لم أكن متفائلة بالحصول على الكثير من الزبناء خاصة وأني بدينة، لكني فوجئت بالعشرات وأحيانا المئات يدفعون مبالغ كبيرة من المال، لتتطور بسرعة كبيرة.” تحكي (هيام.ب) (اسم مستعار)
“فيما تروي أخرى : توقف والدي عن العمل بسبب مرضه وكان علي تحمل مسؤولية دفع الفواتير وتوفير المال للعائلة. لم أرغب في اللجوء إلى الدعارة الحقيقية، لذلك قررت تجربة الكام شات. كان الأمر صعبًا لأنه ليس مألوفاً بالنسبة لي، ولكن بمجرد تعودي على الأمر، بدأت أتقاضى مبالغ كبيرة من المال.”
وتضيف أخرى “أنا طالبة جامعية، لكنني لا أستطيع تحمل تكاليف الحياة اليومية. قررت العمل في الكام شات لتوفير المال اللازم لدفع تكاليف المعيشة والدراسة. لكن سرعان ما تحول الأمر إلى عبء عاطفي ونفسي كبير، حيث يتم تعريضنا للتحرش والاستغلال والتهديد بنشر صورنا على الإنترنت في حال رفضنا بعض الطلبات المشينة.”
وتحكي “مريم” (اسم مستعار)، وهي أم لطفلين وتعمل كمستخدمة في القطاع الخاص، أنها بدأت في الدعارة الرقمية بعد فصلها من عملها تزامنا مع جائحة كوفيد، وأنها استخدمت الكام شات لجلب الأموال اللازمة لإعالة عائلتها. وأضافت “أحاول التوبة والتوقف عن هذا العمل كل يوم واستغفر الله، لكنني مضطرة للقيام به حتى لا تموت عائلتي جوعًا”.
قررت العمل في الكام شات لتوفير المال اللازم لتدفع تكاليف المعيشة والدراسة. لكن الأمر سرعان ما تحول إلى عبء عاطفي ونفسي كبير
هذه الشهادات المؤلمة والمؤثرة تعكس مدى تأثير هذه الظاهرة الخطيرة على حياة شريحة كبيرة من الفتيات والنساء في المغرب، وتجعل من الضروري تبني إجراءات جدية لمواجهتها وحماية الضحايا منها.
نهاية الصمت: تحديات المستقبل لمواجهة الظاهرة
حاولت “نيشان” في هذا التحقيق الصادم حول الدعارة الرقمية والتي تلجأ إليها العديد من الفتيات والشابات، من طبقات مختلفة من المجتمع، تسليط الضوء على هاته “الآفة”، التي تتطلب حلولاً شاملة ومنهجية للتصدي لها ومنع تفاقمها، من خلال توفير بدائل اقتصادية لتحسين الأوضاع المعيشية للنساء، وتوعية الجمهور بمخاطر هذا النوع من الأنشطة.