سيرته مثخنة بالشهادات العليا والتجارب المهنية الرفيعة.. تماما مثل سائر أضرابه في فصيل “التكنوقراط”، وهو “الحزب” الوحيد الذي لا تحتاج إلى كثير تخمين لتعي المناصب والحقائب التي يمكن ان يحصل عليها في كل ولاية حكومية.. حزب بلا أمانة عامة ولا مكتب سياسي، ولا يحتاج جموعا عامة أو خاصة كي يتبوأ أحسن المناصب ويفوز بأغلى الحقائب.
وكباقي خريجي المدرسة الوطنية للقناطر والطرقات بباريس لم يجد ابن فاس، شكيب بنموسى كبير عناء في تقلد مناصب مهمة، آخرها تعيينه وزيرا للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في حكومة عزيز أخنوش، لاعبا في صفوف “حزب الحمامة” على سبيل الإعارة.. فمن يكون هذا الرجل الذي أشعلت قراراته نار الاحتجاجات وجلبت عليه الانتقادات، وجعلته في مرمى العديد من الرماة، في السياسة كما باقي المجالات؟
سيرة أكاديمية وإدارية “سمينة”
ولد شكيب بنموسى في 24 فبراير 1958 بمدينة فاس، وهو حاصل على دبلوم في الهندسة من مدرسة البوليتكنيك بباريس سنة 1979، ثم دبلوم في الهندسة من المدرسة الوطنية للقناطر والطرقات بباريس سنة 1981. كما أنه حاصل على شهادة الماستر في العلوم سنة 1983 من جامعة كامبريدج الأمريكية، وكذا على دبلوم الدراسات العليا في تدبير المشاريع من معهد إدارة المقاولات سنة 1986.
شغل بنموسى مهمة باحث مساعد بمختبر المياه ب Massachusetts Institute of Technology، ما بين سنة 1981 وسنة 1983، كما تولى مهمة مسؤول مصلحة مناهج التدبير بمديرية الطرق من سنة 1983 إلى 1985، ومهمة مهندس مستشار بمكتب الدراسات (مجلس الهندسة والتنمية) من سنة 1985 إلى 1987. ومنصب مدير التخطيط والدراسات بوزارة التجهيز من سنة 1987 إلى 1989، ثم منصب مدير الطرق والسير الطرقي بنفس الوزارة من سنة 1989 إلى 1995، وكذا منصب الكاتب العام للوزارة الأولى من سنة 1995 إلى 1998.
كما تقلد منصب رئيس منتدب لشركة “سوناسيد”، ورئيس للمنطقة الحرة بطنجة، ومنذ سنة 2000 أصبح عضوا للجنة التنفيذية لمجموعة أونا.
ويعتبر عضوا في كل من مكتب الاتحاد العام لمقاولات المغرب، واللجنة الوزارية الخاصة بالتربية والتكوين، ولجنة الدعم الدائم لمؤسسة محمد الخامس، وقد شغل أيضا منصب والي كاتب عام لوزارة الداخلية.
ليتم تعيينه وزيرا للداخلية ما بين سنة 2006 وسنة 2010، ورئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي سنة 2011، كما تم في مارس 2013 تعيينه سفيراً للمغرب بفرنسا وموناكو.
في 19 نونبر 2019 سيتم تعيين بنموسى رئيسا للجنة الخاصة بالنموذج التنموي، وفي السابع من أكتوبر الماضي حمل حقيبة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في حكومة عزيز أخنوش، وهي الحقيبة التي سيدشن مهامه فيها بالنبش في رماد احتجاجات سرعان ما تأججت نارها، بعد أن ضمن الإعلان عن مباراة أطر الأكاديميات شروطا ثارت ثائرة كثيرين ممن كانوا عاقدين الأمل على اجتيازها، ولا تزال تداعياتها مستمرة إلى اليوم.
وزير الداخلية في التعليم
الإعلان عن مباريات لتوظيف الأطر النظامية للأكاديمية أو ما يصطلح عليهم “أساتذة التعاقد”، برسم موسم 2022-2023، لم يمر كسابقيه بسبب بعض الشروط التي تضمنها، والتي أثارت زوبعة من الاحتجاجات لم تهدأ إلى الآن، وهي تسقيف سن الترشح في ثلاثين سنة والانتقاء الأولي ومنع العاملين في التعليم الخصوصي من اجتياز المباريات.
المحتجون على هذه الشروط قرِوا فيها إقصاء ممنهجا، و”لعبا غير نظيف” من لاعب صحيح أنه محترف، لكنه ليس ابن الفريق “السياسي”، بل على سبيل الإعارة، ويهدف إلى تنفيذ مخططات إدارية وخدمة مصالح لوبيات معينة.
لكن هذه الاحتجاجات لم تفض من “عزيمة” الرجل وإصراره شيئا، فهذا التكنوقراطي الذي جرب وصفة التواصل بعد تعيينه على رأس لجنة النموذج التنموي، وقد كان “يكفر” بها في مهام سابقة، خصوصا وهو على رأس أم الوزارات، خرج أكثر من مرة للدفاع عن شروطه، التي رأى فيه العديدون مخالفة للدستور والقانون، لكنه مصر على أن “الهدف منها تكوين أستاذ لديه مسار يبنى على التكوين المستمر، والممارسة المهنية الجيدة داخل القسم، وهو المسار الذي سيساهم في الرفع من قدراته، وإذا لم يبدأ هذا المسار، والأستاذ شاب، فلن يساعد ذلك في الحصول على كفاءات ذات جودة”.
ورغم أن الانتقادات تلاحق قرارات بنموسى، حتى من طرف بعض الحلفاء في عش الأغلبية، إلا ان الرجل ماض فيها، ويبدو متمسكا بها في كل خرجة إعلامية، ولإن كان الرجل قد غير شيئا من عاداته بالانفتاح والتواصل عبر وسائل الإعلام للدفاع عن قرارته، فإنه في نظر البعض احتفظ بنفس أدوات الاشتغال في “أم الوزارات”، فاتخذ قرارته المثيرة للجدل بشكل انفرادي، ثم رفض التراجع عنها رغم حجم المعارضة الكبير.. وكأنه وزير للداخلية في قطاع التعليم.. قبل أن يفرض عليه الحراك الذي أعقب النظام الأساسي الجلوس على الطاولة، وسحب الكثير من الألغام التي زرعت فيه.