في أواخر ديسمبر 2015 خرج إلى الرأي العام بلاغ من الديوان الملكي “يفوت” قطاع الطاقة الريحية والكهرومائية للوكالة المغربية للطاقة الشمسية (مازين)، التي سيتحول اسمها إلى “الوكالة الوطنية للطاقة المستدامة”.
استمر على رأس هذه الامبراطورية الطاقية الضخمة ذات السمعة العالمية، وذات الرأسمال الباذخ، رجُلٌ ظريف كما تفضح ذلك ملامحه وتصريحاته، وقريب جِدا من دوائر صنع القرار، اسمه مصطفى الباكوري.
في تلك السنة كان الباكوري قد أكمل أربع سنوات ونيف على رأس “مازين” التي راهن ويراهن عليها الملك محمد السادس لنقل مملكته إلى مصاف الدول المتقدمة في استعمال الطاقة البديلة بل وفي تصديرها؛ وبالفعل فقد خطا المغرب خطوات جبارة في المجال هي محط تقدير واهتمام العالم؛ في السياق جاء البلاغ الملكي ليخاطب الجميع وتحديدا الفاعلين في قطاع الطاقة بأن “مازين” هي الأول والآخر، وهي “عمود الخيمة” -كما يقال-وهذا ما نطق به صراحة مضمون البلاغ الملكي عندما قال حرفيا: “تتولى الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (مازين)، من الآن فصاعدا، قيادة قطاع الطاقات المتجددة وخصوصا الشمسية والريحية والكهرومائية”.
هذا يعني أن مصطفى الباكوري المحسوب على المحظوظين الذين تسعى إليهم المناصب ذات اليمين، وذات الشمال، سيصبح المُنفذ الرسمي لاستراتيجية الملك الطاقية، وهو ما يعني أن ميزانيةً بالملايير سيؤشر ويُوقع عليها الباكوري، وأن عملا مبتكرا وشاقّا ينتظر ربان امبراطورية الطاقة النظيفة، فالخطأ غير مقبول في استراتيجية ملكية يعول عليها كثيرا عاهل البلاد لتكون قاطرة التنمية في مملكته..
تمر السنوات تلو الأخرى، ولأن الملك لا يترك الحبل على الغارب في أمر حاسم في سياسة عمومية تنموية ترهَنُ تقدّم البلاد والعباد، فإنه كان يجمع “خُدامه الأوفياء” من حين لآخر لتقديم “الحساب”.
في هذا السياق جاء اجتماع “عاصفٌ” احتضنه القصر الملكي بالدار البيضاء، يوم الجمعة 27 يناير 2018، وضم سعد الدين العثماني (رئيس الحكومة)، وعزيز رباح (وزير الطاقة)، وأمينة بنخضرة (مديرة مكتب الهيدروكاربورات)، ومحمد بوسعيد (وزير المالية)، وعبدالرحيم الحافظي (المدير بالوكالة لمكتب الكهرباء)، ومصطفى الباكوري (مدير مازن)، بالإضافة إلى مستشارَي الملك فؤاد عالي الهمة وياسر الزناكي..
في هذا الاجتماع ترددت عبارة الملك “يجب الإسراع” كثيرا، وهو يحث الحاضرين على العمل بأقصى السرعة اللازمة لتنزيل استراتيجية المملكة في الطاقات المتجددة بأبعادها المختلفة، إن على صعيد الاستثمارات، أو في مجال توفير التكوين الملائم لتوفير العامل والتقني المؤهل، وخلق فرص الشغل، ونقل التكنولوجيا، وتنمية مناطق تمركز مشاريع الطاقات المتجددة.
التركيز كان بالأساس على المدير العام لـ(مازن) الباكوري الذي قدم حصيلة عمل وكالته إلى غاية نهاية 2017، وخطة العمل والمشاريع المبرمجة ما بين 2018-2020، موردا معطيات دقيقة وأرقاما، وواعدا الملك بأن وكالة الطاقات المستدامة التي يشرف عليها تضع نصب أعينها كهدف رفع نسبة إنتاج الطاقات المتجددة إلى 42 في المائة في أفق 2020، وهو رقم منفوخ لا يتناسب والنتائج المحصل عليها إلى ذاك الحين!
هذا ما ستؤكده الأرقام لاحقا، فإلى غاية نهاية سنة 2021 لم يحقق المغرب إلا نسبة 37 بالمائة، وزادت النسبة درجةً واحدة بنهاية العام 2022 أي وصلت إلى 38 بالمائة، هذا يعني إذا سارت الأمور على هذه الوثيرة فإن الهدف الأمثل وهو تحقيق ما يفوق 52 بالمائة مع نهاية سنة 2030 سيبقى بعيد التحقيق والمنال..
الأرقام كشفت بأن شيئا ما ليس على ما يرام في استراتيجية عمل “مازن”، وأن مصطفى الباكوري ربما لم يكن الرجل المناسب في المكان المناسب.. وسرعان ما بات الرجل في عين العاصفة، بعد أن بدأت الألسن في بداية شهر أبريل من العام 2021 تلوك كلاما بأن ” الباكوري” مغضوب عليه من طرف الملك وأنه لزم بيته بعدما أخذوا منه مفاتيح مقر “مازن” في حي الرياض وسط العاصمة، بل إن ذات الألسن تحدثت عن أن صحاب الحال تيحققو مع السيد بعدما خاذوا منو الباسبور ديالو وأنه ممكن يتقدم لشي محاكمة خايبة..
بعد أيام من تلك التسريبات وفي 21 أبريل 2021 نشرت المجلة الفرنسية الشهرية “جون أفريك” معطيات مثيرة تفيد باحتمال تورط المدير العام للوكالة الوطنية للطاقة المستدامة مصطفى الباكوري في أمور كبيرة وخطيرة.
الباكوري غاب عن الأنظار لما يزيد عن ثلاث سنوات، ولم يُعلن رسميا عن أية متابعة ضده، بالرغم من وجود شبهة اختلالات في طريقة تدبيره للوكالة الرسمية المتخصصة في الطاقات المتجددة، وهو ما أكده رأي استشاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي يرأسه الاتحادي محمد رضا الشامي، ونشرته محتواه أسبوعية “تيل كيل”، في يوليوز 2020، تحت عنوان “16 مليارا تبخرت بالشمس”، حيث كشفت المجلة معطيات تفيد أن هناك اختلالات في الإستراتيجية الشمسية المتبعة من طرف وكالة “مازن” تهدد بضياع 800 مليون درهم في السنة…فأين اختفى الباكوري..