اندهش أحد صحافيي فرنسا حين رد عليه الملك الراحل الحسن الثاني حول إهتمام طلبة المغرب بالسياسة. اندهش حين اجابه الملك بابتسامة تعبر عن وعي كبير بأهمية السؤال. مضمون الجواب يمكن تلخيصه في التالي: “لو قلت لي أن الطلبة المغاربة لا يهتمون بالسياسة لكنت غير راض عنهم “. لو لم يكن ملكا لكان مناضلا يساريا وكثير الانخراط في العمل السياسي الحزبي والشعبي. عاش مع الطلبة فترة تأسيس الإتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1956. عرفت علاقته مع الطلبة محطات متعددة من الشد والجذب. اقترب منهم في فترات وتوترت علاقته معهم خلال فترات أخرى. تم اعتقال الطلبة اليساريين خلال سنوات 1965 و1967 و1968 و1971 و1973 و1977 و1981 و1984، كما تم اعتقال طلبة الفصيل الإسلامي لاحقا. وكانت الأزمات السياسية تعرف انفراجات تؤدي إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من الطلبة والسياسيين وغيرهم. وكانت الامتحانات الجامعية تجري في مدرجات الكليات وفي السجون. وكان الطلبة المعتقلون يحصلون على أعلى المعدلات ونسب النجاح.
و لا يمكن أن ننسى أن الملك الراحل استجاب، بكثير من الإرادة، لمطالب دعم استفادة أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة من وسائل الولوج إلى التعليم العالي بالمغرب والخارج. المنحة والسكن الجامعي فتح أبواب الكليات في الرباط والدار البيضاء وفاس أمام الحاصلين على البكالوريا من مختلف المدن التي لم تكن تتوفر فيها بنيات التعليم الجامعي. ورغم أن افتتاح الجامعات بمدن كثيرة رافقه اتساع ساحات التظاهرات وكثير من النقد للنظام السياسي، لم يتراجع دعم الولوج إلى التعليم الجامعي.
وظلت الجامعة المغربية مجالا للتكوين العلمي وكذلك السياسي. في الكليات يتعرف الطالب على الممارسة السياسية والثقافية والحقوقية والجمعوية ويتدرب على التدبير والمواجهة والاقتراب من قضايا الوطن. كان من الواجب التذكير، ولو بإيجاز، بمعطيات عن تاريخ الحركة الطلابية في علاقتها بالسياسة والنظام والقضايا الوطنية.
قضايا الوطن لا زالت كبيرة. السياسة تحولت، تحت ضغط تراجع أخلاقي وثقافي وحقوقي، إلى ميدان للصراع بين أصحاب المصالح وليس بين أصحاب المشاريع الاجتماعية والتنموية وحتى الايديولوجية. وانعكس هذا الوضع على الجامعة المغربية وطلابها. وكم محزن أن تصبح معاهدنا وكلياتنا مجالا لصراعات لا تهم المواطن ولا قضايا الوطن والتزاماته اتجاه قضايا قومية وعالمية. جامعات أمريكية وأوروبية أصبحت تشكل قوة ضغط كبيرة على البيت الأبيض وعلى الكثير من مؤسسات الحكم في أوروبا، كل هذا يحدث، والصراع في جامعاتنا لا زال محوره الموقف من قضايا دينية أو إجتماعية في جانبها المتعلق بالمرأة. لم نعد نسمع شيئا عن مواقف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ومعاركه السياسية من أجل الحرية والديمقراطية وقضايا التعليم والصحة والاقتصاد.
أتذكر، بكثير من الأسف على ما مضى، كيف كانت تمر انتخابات فروع اتحاد الطلبة وما يرافقها من نقاش طويل وعميق وتنافس بين ” الأرضيات ” الممثلة لكل التيارات السياسية. كانت الجامعة المغربية…نعم وأصبحت على حال لا يبعث على التفاؤل. أصبحت الجامعة مجالا للاستثمار الخاص المربح والذي يتيح الولوج السهل إلى سوق الشغل. وتراجعت الجامعة المتاحة لأبناء ذوي الدخل المحدود وتراجع معها مستوى الاهتمام بالسياسة وبالقضايا الإنسانية العادلة. ويستمر التقتيل في غزة، ويستمر الاهتمام بفرق كرة القدم الإسبانية والإنجليزية والإيطالية وبالمسلسلات التركية وببرامج الطبخ وبمواقع “اللاتواصل” الاجتماعي.
يتوقف الطالب الفرنسي ذو الأصول الإسرائيلية عن الدراسة، للالتحاق بقوات التقتيل الإسرائيلية، ويظل الشأن السياسي الوطني والعالمي غائبا عن، ما كان يسمى، الحرم الجامعي. تنتشر المظاهرات في أكبر الجامعات الأمريكية والأوروبية وتحرج قادة السياسة الداعمة للصهيونية وقد تؤثر على القرار، وتظل الجامعة المغربية ذات حضور باهت في هذا الزمن الرديء. أتذكر نقاشات سابقة بين الطلبة كانت تنصب على الاهتمام بالاختيارات السياسية وتصف المطالب ذات الطابع المادي بـ”الخبزية”.
طلاب جامعاتنا.. يبهرهم تضامن طلبة الغرب!!
بواسطة إدريس الأندلسي