“بالقرب من البحر” رواية صدرت عام 2006 وترجمت للغات عديدة، وقد منحت جائزة نوبل للآداب عام 2021 لكاتبها التنزاني عبد الرزاق جرنة، بسبب هذه الرواية الساحرة المكتوبة بلغة غنية بالألوان والروائح، أصوات غنائية ولهجات غير معروفة. يتألف هذا الكتاب من ثلاثة أجزاء تسري عبرها أحداث الرواية في مثل تشابك الحياة، مع التركيز على صالح، رجل عجوز من زنجبار يعيش في إنجلترا. عندما تبدأ القصة، يتذكر وصوله إلى أوروبا باعتباره مهاجرا سريا، وكل التفاصيل تؤدي إلى الفلاش باك المنسق بعناية. وهكذا، يروي بالتقسيط المريح السنوات التي قضاها كتاجر أثاث ثري في زنجبار، ويكشف عما دفعه إلى الفرار من هذه الجزيرة.
يتم استحضار المواجهات المهمة في حياته وأصل رحيله القسري، وسنوات المعاناة التي رُوِيت بحذر شديد وبدون أي شفقة على قلب القارئ. يتحول السرد في الثلث الثاني من القصة، والذي يركز هذه المرة على أحد الرجال في قلب الاضطراب، على رجل ينتمي إلى عائلة ثرية تتحول إلى مفلسة، إنه فصل الخراب.
“بالقرب من البحر” رحلة إلى أرض أخرى، إلى تربة بلاد تنزانيا. تزدهر العديد من التفاصيل التاريخية في بعض الأحيان، مسجلة بعناية، مما لا يمنع عبد الرزاق جرنة من الحفاظ على بعض الغموض حول مكان روايته، مما يعطيها خطوطا غير واضحة ودقيقة. ومع ذلك، فإن كلماته تنتج جوا متلألئًا على الرغم من رائحة الدم التي تختبئ وراء رائحة التوابل والأخشاب الغريبة، تملأ الرواية بظلال مأخوذة من الحكايات والكلاسيكيات الإنجليزية، من ميلفيل إلى شكسبير.
“بالقرب من البحر” رواية مصاغة بدقة كبيرة محملة بالقيم الإنسانية التي يدافع عنها الكاتب، ومليئة بروح الفكاهة السرية التي تحيل هنا على تقلب الوجود العابر وأهوال الزمان حيث صراع الخير والشر، الحب والكراهية، الحرية والاستعباد.. لقد أبدع الكاتب التنزاني عبد الرزاق جرنة كتابا رائعا ودافئا وغريبا.
يقول عبد الرزاق جرنة عن أجواء هذه التجربة الروائية المتميزة: “على المرء أن يتخيل معنى وقيمة وتأثير المحيط الهندي بالنسبة لسكان ساحل شرق إفريقيا وخاصة جزيرة زنجبار.
لقد أخذتها كأمر مسلم به تلقائيا في طفولتي. لم أتوقف عن التفكير في الأمر منذ ذلك الحين: لقد تم تشكيل خيالنا من الجوار وكذلك شبه القارة الهندية وأيضا ماليزيا او كمبوديا. كان الصوماليون والسعوديون متواجدين في كل مكان، وكانت اللغة العربية تؤثر في السواحلية، لهذا تم العبور عبر إيقاع الرياح الموسمية، البعض غادر وآخرون استقروا في سلطنة زنجبار، كما فعل والدي الذي جاء من اليمن. يمكن القول بأن التجارة والثقافة والأحلام مضت جنبا إلى جنب.
اختفى هذا الكون الذي أصفه مع اتحاد تنجانيقا وزنجبار عام 1964 تحت اسم تنزانيا. ومثل هذا العالم لا يتم استحضاره أبدًا من خلال ما يسمى تقليديًا “بالأدب الأفريقي”، الذي يقتصر على القارة نفسها. لكن رغبتي في الكتابة ولدت من الرغبة في ترك أثر لهذا العالم المتلاشي، والذي عرف كيف يعبر البحار”.