أسدَل حزب الأصالة والمعاصرة الستارَ عن مؤتمره الخامس الذي عقد نهاية الأسبوع بمدينة بوزنيقة، بالتوصل إلى صيغة “قيادة جماعية” تاركا أكثر من علامة استفهام، ورسائل عديدة لمن يهمهم الأمر.
الحزب “الإداري” الثاني الأكثر قوة، بعد حزب “الأحرار” حليفه في الحكومة الحالية، بدأ منذ أسابيع يفتقد إلى خارطة طريق واضحة للمرحلة، التي زادها قتامةً تورطُ قياديين منه في فضيحة مخدرات ذات أبعاد إقليمية ودولية، أو ما بات يعرف بقضية “اسكوبار الصحراء”.
الملف أعطى لمنتقدي الحزب ومتّهمِيه بـ”الفساد” الحجية والمبرر، ليواصل مَن يواصل منهم التهجّم على “البّام”، وليهمس أو يهمز ويلمز ..حتى الحلفاء في ما بينهم يتنابزوا في مجالسهم بفضائح قيادة حزب خرج من رحم السلطة في ولادة “فايف ستارز” وفي فمه ملعقة ذهب، وانتهى بقادته الحال والمآل إلى المحاكم والسجون مع أباطرة المخدرات!!
ورطة “الجرّار” في فضيحة نقل وترويج المخدرات أصبحت عابرة للحدود والدول والقارات، وتناولها وسائل الإعلام العالمية، بعكس ما حاول الأمين العام المنتهية ولايته ووزير العدل في الحكومة الحالية مداراته ونفيَه جملة وتفصيلا، بعد أن ذهب مذهب التهديد والتلويح بمقاضاة مَن يشير إليهم بالبنان بأنهم احتضنوا ومنحوا التزكية لولوج البرلمان لمتورطين في ترويج المخدرات. في المقابل هناك من كان من هذا الحزب يتمتع بقدر من الرشد والحِلم وأقر بأن المسؤولية الأخلاقية والسياسية للحزب ثابتة بعد تفجّر قضية المخدرات ! أتحدث هنا عن القيادي “البّامي” الصاعد صلاح الدين أبو الغالي الذي تبوأ مكانة ضمن القيادة الجماعية التي أسفر عنها المؤتمر الخامس، إلى جانب كل من المرأة الحديدية فاطمة الزهراء المنصوري والمهدي بنسعيد.
أبو الغالي أكد في حوار مع مجلة “مجلة إيبدو”، أسبوعا قبل المؤتمر، بأن قضية “اسكوبار الصحراء” المتورط فيها قياديان بارزان في الحزب، “أحدثت شرخا خطيراً في الحزب، وعلينا أن نقول ذلك ونعلنه بصوت عال”.
أبو الغالي “المغمور” والرفيقان القياديان الآخران البارزان والقويان والوزيران داخل حزب البام، خولهم المؤتمرون القيادة الجماعية للحزب، وهو ما يعتبر تحصيل حاصل، لأن هذا الثلاثي، وبالأخص المنصوري وبنسعيد، هما الاسمان اللذان كانا أكثر تداولا بين الهامسين بأن يخلفوا وهبي على رأس الأمانة العامة، ولكن يبدو أن الإجماع لم يحصل لأي من المتنافسين، فكان الحل الوسط هو اللجوء إلى هذه الصيغة النادرة في التدبير الحزبي وربما غير المسبوقة في التاريخ السياسي المغربي، خاصة عندما يتعلق الأمر بحزب مقرب من السلطة، حيث كان الرئيس يعرف مسبقا وحتى قبل بداية المؤتمرات!.
واللافت أكثر في هذا الإغلاق المثير لمؤتمر الحزب بهذه الطريقة، هو كون وهبي احتفظ لنفسه برأيه في ما إذا كان سيترشح لولاية ثانية جديدة أم لا، ولم يدل بذلك إلا في افتتاح المؤتمر، وهو ما أرجعته بعض المصادر الحزبية لكونه كان ينتظر إشارة ما من جهة معينة، وهي الإشارة التي يبدو أن حتى منافسيه الذين تحفظوا هم أيضا عن إبداء رغبتهم في خلافته، كانوا ينتظرونها هم أيضا ولم تأت لا لهذا ولا لهؤلاء، فكان الاتفاق على عدم استفراد أي من المرشحين بالقيادة، وأن يتقاسمها أكثر من اسم!.
ولكن المؤكد هو أن عبداللطيف وهبي، المعروف باندفاعه وحبه المزمن في الظهور، قد أسعفته حاسته السادسة، هذه المرة، بأن ينزل من خلف مقود “الجرّار”، بعدما تراكمت ضده العديد من مخالفات وحوادث السير على طرقات ودروب السياسة غير المفروشة بالورود؛ ولعل ذلك ما جعل هذا “الوافد الجديد” إلى القيادة صلاح الدين أبو الغالي يؤكد في نفس حواره مع المجلة الناطقة بالفرنسية عشية المؤتمر -ويا للصدفة- بأن وهبي “ليس رجل المرحلة، وبأنه إذا سعى لولاية ثانية فإن مشروعنا وحزبنا سيصابان بالضعف الشديد”، محمّلا إياه المسؤولية عن ما سماه “هذا الضعف” وخاصة الطريقة التي رد بها.
المتحدث كان يقصد طريقة رد وهبي على قضية “اسكوبار الصحراء”، حيث شدد على أن الحزب إذا أراد “أن يرتقي إلى مستوى توقعات المغاربة الذين يراقبوننا، فلنحترم ذكاءهم، ولنكن صريحين، ولنعترف بمسؤوليتنا السياسية، ولنتخذ إجراءات صارمة ضد أولئك الذين يشوهون مشروعنا، من خلال ارتداء ألوان الحزب لارتكاب الجرائم”!.
فهل تعتبر القيادة الجديدة صيغة مؤقتة للحفاظ على اللحمة وتفاديا للتصدع، في انتظار بروز مؤشرات أو إشارات ممن لديهم مفاتيح الحزب، أم أنها بداية نهاية تجربة حزبية إدارية وجدت نفسها في ورطة سياسية وأخلاقية وفي حالة شرود وارتباك وتيهان لا تسعفها في إيجاد من يقودها كزعيم صنديد؟!.