قبل أن تتفجر فضيحة “خدام الدولة” بسنوات طويلة كان هنا ملف ثقيل وعفن، كشف وجود فئة أخرى من المسؤولين الذين يزاوجون بين خدمة الدولة وخدمة أنفسهم، وهو الملف الذي حمل اسم “سهب الذهب” ليس في إحالة المعدن الأصفر النفيس بل دلالة على مصدر آخر للثروة ينبت فوق الملك العام البحري.
هذا الملف كشف للمغاربة أن العطايا التي يحصل عليها الوزراء وكبار المسؤولين في عدد من المؤسسات لا تقتصر على ما تجود به الدولة وفق التبرير السمج الذي تلا فضيحة “الخدام” بل إن جزءا مهما من العطايا يمكن الحصول عليه بجرة قلم، لكن مع ضرورة اقتسامه مع خليط هجين من المسؤولين الذين لا يمكن للقانون والمساطر والمتابعات التي يسطرها أن تخرج من طوق الإقامة الجبرية التي يملكون مفاتيحها، وهو ما يفسر كيف أقبرت مراسلة بعثت في سنة 2008 لوزير الداخلية بعد أن عرت المستور وقدمت سلسلة طويلة من فضائح العقار التي تزاحمت في منطقة الهرهورة.
جماعة تتحول لضيعة خاصة
هنا وعبر الطريق الساحلية التي تقودك مباشرة نحو الهرهورة تختلط سيارات بعض الكادحين مع سيارات علية القوم التي تمر أمامك بسرعة رهيبة غير ابهة بالرادارات المتحركة والثابتة، سيارات تشعرك فعلا بأن الثروة يوجد جزء منها هنا.
الهدوء الخادع الذب تغرق فيه المنطقة يختفي تماما حين تقترب من حدود التماس مع الصخيرات فهناك لا صوت يعلو على هدير شاحنات والرافعات وجرافات الحفر.
رائحة الاسمنت المسلح تختلط برذاذ البحر ،ووحدها النتوئات الصخرية بما تضمه من علب مصبرات صدئة ،وعلب حليب فارغة من مخلفات وجبات البنائين دليل كاف على جرائم التعمير التي تحدث في وضح النهار وتحت أشعة الشمس التي أغرت العديد من الكبار والمنتمين للعالم المترف بالانخراط في حمى البحث عن فيلا أو شاليه بالهرهورة التي أصبحت كمنتجع لابد لك فيه من مكان حتى تصنف ضمن نادي الكبار.
على امتداد الطريق تصادفك أيضا فيلات وقصور تشعر أنها مليئة بالأسرار، وبعض الاقامات الممتدة على مساحات شاسعة.
حتى بعض المؤسسات التي أحدثتها الدولة بهدف الحفاظ على توازن سوق العقار انخرطت في اللعبة، وهرولت للبحث عن نصيب من الكعكة العقارية بالهروهرة بعد أن تفجرت فضيحة تسليم بقع لإحداث فيلات ضمن تجزئة لصيقة بالطريق لعدد ممن كبار المدراء المركزيين بها مقابل 200 درهم للمتر المربع، وهو سعر لا يمكن أن تباع به الأرض بالهروهرة حتى لو كانت عبارة عن حقل ألغام غير قابل للاستغلال، بعد أن تجاوز الثمن في مناطق تقع خلف الطريق السيار 8000 درهم للمتر المربع.
عدوى “لهريف” انتقلت ايضا للملك العمومي يقول دلينا وهو واحد من الذين خبروا المطبخ الداخل لصفقات العقار التي مكنت البعض من أموال طائلة سلمت لهم في أكياس بلاستيكية من الحجم الكبير مادام الكل يجتهد للبحث عن نصيبه.
الاستثناء الذي يبيض ذهبا
الفساد واستغلال النفوذ والبحث عن الامتيازات هو خليط وجد في الهرهورة ضالته ما يفسر كيف تم تحريف مسار رخص إصلاح سلمت بالعشرات لإحداث إضافات وطوابق لفائدة أسماء بارزة، وكيف قاد الجشع في النهاية للاستيلاء على ممرات مخصصة لعبور المصطافين نحو البحر والبناء فوقها، بل ووصل الأمر حد بناء 12 فيلا دفعة واحدة فوق عقار كان مخصصا كموقف للسيارات تابع لمنشاة سياحية وترفيهية، وهي الفيلات التي سلمت لعدد من المسؤولين النافذين إضافة إلى الزوجة الثالثة لمسؤول جماعي سابق، وهي فضيحة كانت أكثر من كافية لتحريك المتابعات.
لائحة الفضائح هنا طويلة، ولا تكاد تنتهي، وتؤكد أن مسلسل التواطئات كان يتجاوز مقر البلدية ويمتد رأسا نحو مسؤوليين بالوكالات الحضرية وعمالة تمارة بل ويمتد الى مسؤوليين آخرين من عيار ثقيل بالعاصمة، ممن كانوا يمنحون رخص الاستثناء في مجال التعمير، و يحتجزون جانبا عقارات “لدواير الزمان”.
كما كانوا يضغطون على الزر الأخضر لتمرير بعض المشاريع رغم عدم قانونيتها، وهو ما يفسر كيف تحول عقار مخصص لمركز تجاري ومساحة خضراء إلى عمارتين، وكيف أفلت مشروع من فضيحة انجازه دون واد حار، وكيف اختفت طرق عمومية وألحقت بمشاريع خاصة، بل أن العدوى امتدت الى المراحيض المخصصة للمصطافين والتي تم السطو عليها وتحويلها إلى مقهى ومطعم.
مع كل هذا فان الهرهورة كانت ولا تزال بالنسبة لبعض النافذين أرض أحلام وفرص، تماما كما حدث مع مسؤول سابق بإحدى المحافظات العقارية والذي بلع قطعة أرضية ب”الكازينو” بسعر لا يتجاوز 60 مليون سنتيم ليبيعها لاحقا ب700 مليون سنتيم.
اللجنة التي أوفدتها المفتشية العامة لوزارة الداخلية سنة2018 قضت مدة ليست بالقصيرة بالبلدية وربما قد يكون أعضائها أصيبو ا بالإرهاق، والذهول، وهم يتابعون اللائحة الطويلة من الممتلكات والعقارات التي أصبحت في ملكية منتخبين ومسؤولين أو في ملكية أبنائهم وزوجاتهم، وهنا فإن الجمع يحيل على دلالة خاصة بعد أن اتخذ البعض أكثر من زوجة، مادام المال في الهروهرة أصبح سهلا، ويتطلب فقط دراسة الثقوب الموجودة في القوانين وممارسة الكثير من الاحتيال المسطري مع القبول باقتسام جزء من الغنائم مع أطراف متواطئة، بصمتها أكثر من واضحة فيما يقع بالهرهورة.
ممتلكات تتمرد على التصريح
ما وقع ويقع في هذه المنطقة يطرح تساؤلات مقلقة وجدية ولها الكثير من المشروعية حول جدوى التصريح بالممتلكات الذي يفرض على المسؤولين، بعد أن تحول العمل الجماعي الى منجم ذهب بالنسبة للبعض، منجم رفعهم من قاع المجتمع ليصبحوا من الأعيان وعلية القوم الذين يركبون سيارات رباعية الدفع توازي قيمة استهلاكها الشهري من المحروقات راتب مهندس دولة.
الحديث عن جدوى التصريح بالممتلكات يلغيه الواقع، كما أن الدليل الذي يفيد في تتبع احد مسارات هذه الثروات قد يكون مرتبطا بجزء من جبل الثلج الذي أشارت إليه شكاية قدمت لوزير الداخلية من طرف الهيئة المغربية لحماية المال العام بالمغرب التي تحدثت عن توزيع البقع المخصصة لجمعية الأعمال الاجتماعية وعددها 20 بقعة أرضية على مسؤولين لاعلاقة لهم بالسكن الاقتصادي كما نبهت للتواطئ المكشوف الذي سلكته البلدية، في رفع اليد على بقعة أرضية ، كانت مخصصة لبناء مقر للبلدية مع عدة مرافق بشاطئ تمارة، وقام بتجزئتها كفيلات وزعها على وزير ومحافظ للأملاك العقارية.
نفس الشكاية تحدثت عن تفويت بقع لشخصيات نافذة بثمن 36 مليون سنتيم، قبل بيعها بعمولة تحت الطاولة ب56مليون، وهي الاستفادة التي شملت أيضا مقربين ومعاونين منحت لهم بقع باعوها بعمولات مختلفة رغم أن ثمن المتر المربع لا يقل عن 20 ألف درهم للمتر المربع الواحد، ليتضح أن البلدية ضاعت في مرافق عمومية وضاعت في ثلاثة مليارات.