الصورة التي ننشرها هنا جد نادرة، مبنى ومعنى حيث يبدو الملك الراحل الحسن الثاني وسط طائرته الخاصة، ممددا على سرير عادي وهو بملابس نومه تحت ملاءة بسيطة، وبالقرب منه أكوام من حقائب ملابسه المبعثرة وأحذية وصندل منزلي عادي، ومؤنسوه ومبسطوه، وعلى رأسهم “الشهيب” محمد بنبين، الذي صاحبه لأكثر من 33 سنة.. صورة صادمة للأحاسيس، تعصف كليا بما نعرفه عن الحسن الثاني من أًبَّهة أسطورية، وهيلمان سلطاني يحيل على الإمبراطوريات الكبرى.
لم نر الملك الراحل الحسن الثاني إلا واقفا بقسماته الصارمة، وحركاته وهو يعطي التعليمات لرجال حاشيته، أو جالسا على العرش وهو يخاطب الأمة أو ممثليها أو زعماء وقادة دول العالم في القمم والمؤتمرات.. الوقوف إحالة على القوة، الهبة، الصحة.. والجلوس على العرش يحمل بُعد الجد والصرامة، كما استوى الله على العرش بعد أن خلق العالم. والاستواء معناه الاكتمال والانتشار والتمدد، وبسط السلطان على ما يحيط به، وهو أيضا دال على التعالي وقوة الصولجان والبأس.
مرة واحدة رأينا الملك وهو ممدد، غير واقف ولا جالس.. إنه هناك ممدد وسط تابوت بلا حياة.. إنه الملك المحجوب عنا في لحظات ضعفه الإنساني، في زمن المرض أو الضعف. حتى إن دساتير المملكة لم تكن تشير قصدا إلى احتمال مرض الملك.. كل الفصول كانت تتكلم عن القداسة، عن جسد قوي يحكم ويسود، يدير المؤسسات وينتشر في كل الدواليب.
وها هي صورة اليوم مغايرة لما عهدناه، تنفلت من أرشيف شخصي عائلي وتقفز إلى هنا، مصاحبة بتعليق: “صورة جد نادرة للحسن الثاني”؛ كما لو أن العالم الذي تقدمه الصورة أخرس ويحتاج دوما إلى صوت اللسان، أي إلى اللغة كما يشير إليها رولان بارث في قوله: “يبدو من الصعب أكثر فأكثر تصور نسق من الصور أو الأشياء التي تستطيع مدلولاتها أن توجد خارج اللغة (…) فلا وجود للمعنى إلا باللغة”.
الصورة كما يعرفها قاموس “Le robert” هي تمثيل مشابه لكائن أو شيء. وعند شارل ساندرس بورس تغدو الصورة علامة أيقونية تتميز بشبهها النشوئي بالموضوع الذي تحيل عليه. وهذه الصورة المنفلتة تُبرز جانبا خفيا من الحياة الحميمية للملك.. في بُعدها الإنساني المرتبط بالبساطة يُظهر الحسن الثاني الإنسان ممددا على السرير، لا واقفا ولا جالسا، إنه نائم.. وهو ما لم يكن ممكنا أن يحظى برؤيته المغاربة.. جسد يشبهنا، بدون قداسة، ولا قوة بروتوكول.. جسد متحرر من كساء السلطان وتاجه.
إلهي أهذا جسد الملك الراحل الحسن الثاني في حميميته الإنسانية، في طبيعته الخالية من السحر والقوة، حيث يمكن أن يعلو شخيره، وأن يصدر منه وعنه ما يصدر عن جسد آدمي في النوم الذي هو صنو الموت؟
إن الأمر يتعلق بجانب ملغز في حياة الملك الراحل.. تجد فاطمة أوفقير في كتابها “حدائق الملك” جزءا من مفاتيحه حين تقول: “كان الحسن الثاني شديد التناقض، فهو مغرم بالترف والمال، والمآكل الشهية، والأشياء الفاخرة الثمينة؛ غير أنه مع إحاطته بأجمل الأثاث في قصره يأكل وهو يجلس على سجادة صغيرة للصلاة، وأمامه طاولة صغيرة بسيطة من ‘الفورميكا’، مستخدما أدوات مائدة بدائية”..