في هدوء يخيم على أحد دواوير جماعة أسني بإقليم الحوز، تقف امرأة خمسينية ترتدي وشاحا مزركشا، تُعدله بين الحين والآخر، فيما يُعِد حامل الميكروفون الكاميرا لالتقاط شهادتها. “عاقلة بْعدا شنو غتقولي قدّام الكاميرا ياك؟ “يسألها المصور بنبرة متسرعة”. تجيبه المرأة بلكنة أمازيغية مختلطة بالدارجة: “ياه عْرَافت”.
ليس مشهدا من وحي الخيال، ولا لقطة من فيلم سينمائي، وإنما هي واقعة حقيقية شهدها أحد دواوير جماعة أسني باقليم الحوز.
“نيشان” فضل عدم ذكر اسم الدوار المقصود تحديدا حرصا على مصلحة الأسرة المعنية ولتجنيبها أي مضايقات من طرف جهات محلية.
تشتغل الكاميرا، لتلتقط مشهدا لبيت جديد يبدو من الخارج كاملا، بمساحة لا تتجاوز 70 مترا مربعا. هذا البيت، المكتمل في مظهره، هو الأول والوحيد الذي تم بناؤه في الدوار منذ الزلزال المدمر الذي أصاب المنطقة قبل عام. عام كامل من الانتظار من أجل سبعين مترا مربعا من الآجور والإسمنت .
على الرغم من ضيق المساحة، سيأوي هذا المنزل أسرة ممتدة تتكون من أب وأم، وابنيهما وعائلاتهما، في مساحة صغيرة تكاد لا تكفي لحياة عادية. لكن باقي الأسر في الدوار ما زالت تقطن في بناء مفكك أو خيام مهترئة، تفتقر لأدنى مقومات السكن اللائق. تنتظر “الفرج” في صمت. إما فرج إزالة الأنقاض، أو فرج الحصول على ترخيص لبدء أشغال البناء.
تقول فاظمة، وهي من ساكنة الدوار، بحزن: “بيتنا الذي انهار كان بمساحة 120 مترًا مربعًا، وكنا نعيش فيه 3 أسر. الآن يريدون أن نبني منزلاً بمساحة 70 مترًا مربعًا، فكيف لنا أن نعيش جميعًا في هذا المكان الضيق؟”.
وتضيف: “المشكلة ليست فقط في المساحة، بل في تعويضات الحكومة التي لا تكفي. حتى الذين هُدمت بيوتهم بالكامل لم يحصلوا على مبلغ التعويض الكامل (14 مليون سنتيم)، بل اكتفوا بمنح 8 مليون سنتيم فقط للجميع، “الطبلة بوحدها ماكفاناش فيها الدعم ديال جوج المليون اللي سّبقو لينا”.
إحدى الأسر عاشت مشهداً آخر من التعقيد الإداري. بعد قدوم مهندس منتدب من السلطات لتقييم وضع منزلهم المتهدم، تم استبداله بآخر لا يعلم شيئاً عن ملفهم. وبعد أشهرٍ من الانتظار، اضطروا للجوء إلى خدمات مهندس معماري خاص، دفعوا له من مدخراتهم لتسريع وتيرة الترميم.
“شخص جديد لا يعلم شيئا عن ملفنا وعليه أن يبدأ من جديد عملية إعداد ملف المنزل ودراسته. وهو أمر تطلب مذة طويلة”. إننا لسنا مستعدين للانتظار شهورا موالية ونحن على أبواب فصل الشتاء، تكفينا معاناة فصل الشتاء المنصرم. لجأنا الى خدمات مهندس معماري خاص دفعنا له من مدخراتنا ليدرس حالة المنزل وقرر انه يمكن ترميمه عوض هدمه بالكامل وإعادة البناء.
المفارقة أن بعض الأسر رغم استحقاقها للدعم الحكومي، لم تتوصل بأي شيء. ولجأ الكثير منها إلى تمويل أعمال الإصلاح من جيوبهم الخاصة. وفي المقابل، يروج في الدوار أن مسؤولاً جماعياً سابقاً حصل على دعم كامل وامتيازات لتسريع عمليات البناء، ما أثار سخطاً بين السكان الذين رغم معرفتهم بما يجري، يفضلون الصمت.
في مناطق مجاورة مثل تحناوت وأمزميز، كان الوضع مختلفاً؛ فالسكان خرجوا للاحتجاج بقيادة فاعلين جمعويين. سعيد أيت المهدي، أحد هؤلاء النشطاء ابن جماعة إيغيل بؤرة زلزال الحوز، تم اعتقاله أمس بعد فضحه لخروقات الحكومة في إعادة إعمار الأقاليم المتضررة، حسب تعبير المحامي اسحاق شارية ورغم الإفراج عنه بعد ساعات، فإن محاولات تكميم الأفواه، حسب نشطاء محليين – منهم الجمعية المغربية لحقوق الانسان-، لا تزال قائمة.
وبينما يتحدث رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عن نسبة إنجاز تتجاوز 95% في إعادة الإعمار، إلا أن الواقع على الأرض يروي قصة مختلفة
فالتقارير المحلية تُظهر أن النسبة الفعلية لا تتجاوز 50% (حسب الائتلاف المدني من أجل الجبل). هذا البطء في الإعمار يجعل سكان الدواوير المتضررة في حالة من الإحباط واليأس.
تنضاف إليها المعاناة مع الأمطار التي تهاطلت بشدة هذا الأسبوع، أعادت إليهم ذكرى مريرة شبيهة بمعاناتهم في الشتاء الماضي. من بين هؤلاء سكان دوار “ويزمارن”، جماعة أغبار، الذين أطلقوا خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية نداءا عاجلا للسلطات من أجل التدخل لحمايتهم من الأمطار والسيول الجارفة.
بعد عام على زلزال الحوز، تظل الوعود مجرد تصريحات وأحاديث، وفرض الصمت على الجميع لأن الكاميرا تُصوّر.