لم تمنع تطمينات المندوب السامي ولا صفقة التواصل حول الإحصاء التي كلفت مليار و600 مليون درهم، من تبديد مخاوف عدد من الأسر من المساس بمؤشرهم الاجتماعي، واستعمال تصريحاتهم للباحثين بغرض تصنيفهم في خانة الأثرياء المقصيين من “المانضة”.
في أولى أيام الإحصاء، بدا واضحا أن الإشاعة وانعدام الثقة هي أكبر عدو يواجه الباحثين، ما اضطر بعضهم إلى طلب تدخل السلطات المحلية، بل والاستعانة بالمفوضين القضائيين من أجل معاينة الامتناع عن المشاركة في الإحصاء لعلهم يدفعون المتخوفين والمترددين إلى التجاوب.
ورغم أن الغرض من هذه العملية لا يتجاوز الخروج بمعطيات ذات أبعاد عامة وشمولية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استعمال المعطيات الإحصائية خارج أهدافها المحددة، إلا أن تهرب عدد من الأسر ورفعها شعار “سبق الميم ترتاح” بات يدق ناقوس الخطر حول ما فعله “مؤشر أخنوش” في نفسية المستفيدين من فتات دعم اجتماعي لا يتجاوز الـ500 درهم شهريا.
لقد تحول هذا المؤشر إلى “بعبع” حقيقي، بينما كان يفترض أن يكون عنوانا لتحسين ظروف عيش الفقراء والمهمشين، وعنصرا أساسيا لتحقيق الرفاه للمواطنين عامة، بدل أن يكون عنصر تشويش على الثقة بين المجتمع ومؤسسات الدولة في سياق تؤكد التقارير الحكومية وغير الحكومية أن المغاربة لا يثقون حتى بعضهم البعض، فالأحرى في مؤشر أشبه بتداولات بورصة القيم.
مشكلة هذه الحكومة أنها تسعى إلى توسيع دائرة الفقراء وليس إلى تحسين ظروف عيشهم..فالمشكل ليس أن يكون هناك مواطن فقير، لأن الفقر لا يعني بالضرورة انعدام شروط الحياة الكريمة..لكن المشكل هو عندما يتحول وجود مرحاض أو دوش أو توفر الأسرة على هاتف أو غرفة إضافية إلى مؤشر رفاه يستلزم سحب “المانضة”.
لذلك، فإن الفقير في عيون الحكومة الاجتماعية هو من لا يكسب “عشا ليلة”. أما من يستطيع تدبير أمره اليومي، حتى وإن كان من فئة “طالب معاشو”، فلا يستحق المساعدة لتحسين ظروف عيشه، بل عليه أن يواجه مصير سحب الدعم حتى يظل فقيرا إلى الأبد.
لقد عاينا كيف أن آلاف المقاولين الذاتيين صرحوا بوقف استفادتهم من هذا النظام، ما أدى وفق معطيات شبه رسمية إلى ارتفاع نسبي لمؤشر البطالة.. والسبب هو أن “مؤشر أخنوش” العظيم تسبب في حالة رعب لدى هؤلاء المقاولين الذاتيين، ففضلوا أن يخرجوا من دائرة الأضواء للعودة إلى العمل في السوق السوداء، حتى لا يتم دسهم في لوائح الأثرياء وإن لم يستفيدوا من صفقات المليارات.
مؤشر أخنوش..”البعبع” الذي يهدد بفشل أكبر عملية إحصاء بالمغرب
بواسطة نــيـشـــان