على إثر حادثة قمة “تيكاد” باليابان يجب على المغرب قراءة واستيعاب ما وقع والتفكير مليا وسريعا في كيفية الاستجابة له بسرعة، وتحديه بشكل لا يؤثر في مركز المغرب المتقدم ويسقطه في براثين المناكفات العقيمة التي إن لم تعرقل المسار المغربي فهي قد تطيله، وتعطي للنظام العسكري الجزائري المختنق، فسحة لأخذ نفس في محاولة للرجوع ولو بالإفك والإشاعة والتزوير.
فاليوم، واليوم بالضبط، لا يهم المغرب في شيء أن تعترف الجزائر أنها طرف أساسي، او تستمر في ادعاء انها طرف مراقب او حتى ملاحظ. ولا يهم أن نعي أنها مجرد أداة لخدمة مصالح جهة أخرى، وأنها جعلت بدورها من البوليساريو أداة ثالثة. فذلك كله من خفايا اللعبة التي انكشفت. مثلما لم يعد أساسي وحيوي للمغرب ان يعرف العالم ذلك ويكتشفه أو يطلع عليه ويعاينه.
بل إن ما يهم المغرب حاليا وآنا وعيه بواقع حسمه الأمر لصالحه وأن يتصرف على ذلك النحو بغض النظر عن ماهية الأطراف وبعيدا عنها. وهو المتغير والحقيقة الأولى التي يجب ترتيب الأثر الفوري عليها من مدخل أجهزة ومؤسسات الدول وسياساتها العمومية ووعي مجتمعي موازي تثبيتا للفوز وتأكيدا للحق واستقرارا للمركز على ذلك النحو وعلى ما كانت عليه الأمور من ذي قبل من حيازة وملكية وسيادة.
فالواقع يدل أن انتصر على كافة خصومه الظاهر منهم والخفي، وغير من جهات ومفاتيح التأثير في الأحداث بأن نقلها وضمها وجعلها بين يديه وفي حيازته وملكيته يستعملها لصالحه، وحسم بها نزاع الصحراء المغربية المفروض عليه بيديه بمعزل عن الغير ودون تدخل من الغير، الذي يجعل أمر الوعي بالثقة في قدرات الذات المغربية على أخذ المبادرة الفعل وتحقيق الانجاز أمر بالغ الأهمية في الحاضر كما في المستقبل. وهو الحقيقة التي تستحق الوقوف عليها والدعاية لها.
صحيح أن الحادثة الأخيرة في ملتقى اليابان كشفت عن عمق وهول الصدمة والشعور بالمصيبة في الجزائر وأن جراحها غائرة وألمها فظيع، الذي فرض عليها الجنوح الى التزوير والعنف والعدوانية، وهي أمور دأبوا عليها وليست جديدا مستجدا. فآخر شيء يهتمون به ويحتاطون له هو المصداقية والجدية. وفاقد الشيء لا يعطيه.
وبقدر خطورة الواقعة فانها لا تنال من الفوز والانتصار والحسم المغربي، الذي يستوجب التركيز على أن ما حققه المغرب من نجاح سريع وتعزيز قوي وتأثير ايجابي وبليغ لمركزه فاق وتجاوز حدود توقعاته في المحصلة وفي قياس الزمن. فقد تمكن بفعل ديبلوماسية ملكية نشيطة وذكية وحكيمة اللجوء الى تنويع لعلاقاته دون حرج. في وقت كان يحسب تابعا وفيا ومخلصا للحلف الغربي الليبرالي، وملأ المقاعد التي انسحب منها في التنظيم القاري الأفريقي، وانفتح على الد واشرس خصومه في افريقيا وامريكا الجنوبية في اطار التركيز على الممكن المشترك بعيدا عن نقاط الاختلاف والتباعد. الذي وفر له تحييدها في الموقف سياسيا.
وقد وفرت تلك الخطة حصانة لمكاسب المغرب وزيادة في مناعتها. وفي نفس الوقت أعطته المهلة لاستكشاف امكانيات البحث لتحويل موقف الحياد الجديد وقلبه الى التأييد. وتمكن من جعله قاعدة ومركزا استراتيجيا للارتكاز والانطلاق بتأن وثقة وقوته وبراغماتية وواقعية اقتصادية بحثا عن معاقل أخرى كانت مجهولة او مهملة او معادية لكنها اصبحت ممكنة وحيوية منتجة وضمها الى المركز في اطار استراتيجية السلسلة.
وكان المغرب وقبل اقدامه على اجراء المبادرات والخطوات يحفز تفكير وذكائه عميقا لتحقيق النتائج الايجابية في خضم تطبيق تكتيك محكم غايته ضمان الفوز في النهاية كاستراتيجية. فاختيار المغرب لاستراتيجية الانتشار الواسع تم بعد اجراء تقييم ودراسة وتحليل لإمكانياته وقدراته والوضع الاقليمي والقاري والدولي والاضافات التي يمكن تحقيقها للتأثير ايجابا لصالح المسارات المغربية.
وهذا التحليل شمل ايضا وضع الجزائر وقدراتها داخليا وخارجيا وذكائها وحركاتها وعلاقاتها وجعلها قيد الدراسة العميقة والتقييم الدقيق. من أجل الكشف عن نقاط القوة والضعف لديها، حيث خلص انها دولة بدون عقيدة ولا سجل لشبكة ديبلوماسية عريقة قوية ووفية ومتينة. دولة تفتقد الى اشهاد بالمصداقية. دولة تتصرف عادة بغرور وبعجرفة واحتقار للآخر. وتعتمد على ردات فعل عاطفية غير محسوبة العواقب والتداعيات. وبعبير مقتضب دولة تتحرك بطريقة فوضوية وغير منتظمة ودون خطة في غالب الأحيان.
وهذه الطريقة في التعامل والتصرف والتحرك الجزائري، الذي استنتجه واستخلصه المغرب حفز الأخير لاستغلاله بحثا عن الفرص الظاهرة والمخفية التي تتيحها له اعتمادا على طرق فعالة في اطار فعل تواجهي محكم. وهي خطة تعتمد البحث عن تهديدات فورية لمحاصرة الجزائر في قواعدها الخلفية وقطع التأييد والامداد عليها وجعلهما معزولة. وحملها للكشف عن وجه حقيقتها بما يجعل الغير يقتنع ويصحح المغالطات ويأخذ القرار الصحيح والمناسب تبعا لمصالحة، وتأسيسا على حيثيات شرعية حقوق المغرب المبنية على التاريخ ورجحان القانون وجدية عرضه على الأمن والاستقرار والتنمية.
وقد مكنت هذه الاستراتيجية المغرب، الذي لن أكون مبالغا إذا زعمت انها مستوحاة من خطط واستراتيجيات الشطرنج، من جني مكاسب سياسية كبيرة بحيث حسم وفقا لقواعدها وخططها النزاع لصالحه، وأخرج الجزائر من كل المعادلات، وأزعم أنها لم تعد طرفا بأي وجه من الوجوه سوى انها دولة استضافة للاجئين لها التزام قانوني. والتزام المغرب اليوم مع طرف واحد وأوحد هو المجتمع الدولي في تفعيل وتنزيل مبادرته بالحكم الذاتي لا غير. وهو الورش الذي دشن تنفيذه وتطبيقه على الأرض منذ مدة بتعاون ومساهمة ومشاركة من المجتمع الدولي وبمظلة ومباركة أممية.
*محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي قضايا الهجرة ونزاع الصحراء
الرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي درعة/ تافيلالت