سنة 1971 ستصدر أوامر عليا باعتقال عدد من الوزراء السابقين من بينهم محمد الجعيدي الذي كان يتولى وزارة التجارة والصناعة والكاتب العام لمكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، ووزير التعليم ووزير المالية المامون الطاهري، إضافة إلى عبد الحميد كريم الذي كان يشغل منصب مدير ديوان الوزير الأول أحمد العراقي، وعبد الكريم الأزرق الوزير السابق في السياحة والمالية، ثم الشفشاوني الذي كان يشغل منصب وزير الأشغال العمومية والذي اعتقل فور نزوله من الطائرة عائدا من فرنسا حيث تلقى إشارات تفيد بأنه شخص غير مرغوب فيه، وأن مصلحته تقتضي العودة إلى المغرب في أقرب وقت، بعد أن وصلت أصداء ما يقع هناك،كما كان من بين الذين شملهم الاعتقالات المندوب السامي لبناء اكادير التي تناوب عليها زلزال الطبيعة وزلزال الفساد.
كما اُعتقل على ذمة القضية عمر بن مسعود الذي قدم تفاصيل مثيرة أمام محكمة العدل الخاصة عن كواليس الصفقات والرشاوى والعمولات التي استفاد منها عدد من كبار المسؤولين، بعد أن أيقن أنه أصبح وحيدا ودون حماية ، واعتقل أيضا باروك دهان الذي وصف بأنه سمسار معروف بمدينة الرباط وله شبكة واسعة من العلاقات بالنظر إلى أنشطته الصهيونية.
القضية المعروفة بمحاكمة الوزراء تفجرت حسب ما راج في تلك الفترة بعد أن تناهى إلى علم الحسن الثاني عملية الابتزاز التي تعرضت لها شركة “بانام” الأمريكية، التي كانت ترغب في تشييد فندق كبير في مدينة الدار البيضاء في إطار مشروع استثماري ضخم.
البلاغات توالت تباعا وضمت أسماء عدد من المسؤولين الذين وضعوا في لائحة الاعتقال ، لتشمل عددا من الموظفين الكبار في مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية منهم إدريس بن البشير وعبد العزيز بن شقرون.
غير أن اللافت هو أن البلاغات استثنت بعض الأسماء بعينها في ظل نوع من التعتيم ما جعل عددا من الأسئلة تتناسل حول الدوافع الحقيقية وراء ذلك، خاصة وأن عددا الرؤوس التي أصبحت مطلوبة إما فرت للخارج في ظروف غامضة، أو أنها اشتمت الرائحة ووفرت العناء لتغادر المغرب بهدوء قبل أن تحل العاصفة.
الاعتقالات شملت أيضا عددا من رجال الصناعة والأعمال بمدينة الدار البيضاء منهم أسماء وزانة ضمن اللوبي اليهودي المغربي ك “دفيد عمار” و “بيرنارد ليفي”، و”هنري اوحنا” الذي ورد اسمه في بلاغ صادر عن وزارة العدل كما نشرت جريدة العلم في عددها الصادر في 11نونبر 1971
لائحة التهم توسعت بتوسع رقعة الاعتقالات و انضافت إلى جانب الرشوة واستغلال النفوذ تهمة اختلاس أموال عمومية، وهي الأموال التي تم تهريبها للخارج أو استثمارها في معاملات تجارية في ميدان المعادن التي تم تهريب كميات كبيرة منها، ما مكن المتلاعبين من أرباح طائلة، وجدت طريقها للخارج عن طريق عدد من رجال الأعمال الذين يقومون بالسمسرة وإعادة توظيف الأموال.
المتهمون الذين كانوا بالخارج إضافة إلى الذين تم تسهيل عملية مغادرتهم للمغرب صدرت في حقهم تحت ضغط صحف المعارضة، كما أشار بلاغ صادر عن وزارة العدل، أمر دولي بإلقاء القبض من طرف قاضي البحث بالمحكمة العدل الخاصة، على أساس أن تليها طلبات تسليم توجه إلى حكومات الدول التي فروا إليها هربا من المتابعة، غير أن ذلك كان مجرد زوبعة لقيت صدى في عدد من الدول التي كانت تتابع باهتمام ما يحدث بالمغرب خاصة في سنة 1971 التي شهدت عدة قضايا ساخنة منها محاكمة مراكش الكبرى، والمحاولة الانقلابية في الصخيرات، ومحاكمة الوزراء في قضايا الفساد، وهي الزوبعة التي سرعان ما اختفت وتركت ورائها العديد من علامات الاستفهام.
والملاحظ أن الاعتقالات التي تمت سنة 1971 لم ترافقها توضيحات رسمية من طرف وزارة الأنباء التي اكتفت بنشر خبر اعتقال عدد من الوزراء السابقين، ما سمح بتناسل عدد من الإشاعات كان الهدف منها هو خلق اكبر ضجة لإلهاء الرأي العام في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي كان يعشيها المغرب، والتي زاد انتشار الفساد والاختلاسات ونهب المال العام من استفحالها، حيث أشارت بعض التقارير التي نشرت آنذاك أن حجم المديونية العامة للمغرب وصل إلى مستوى خطير للغاية ، فيما ارتفع عدد العاطلين بشكل مهول وأصبح عدد كبير من السكان يتهاوون تحت خط الفقر، وهو الواقع الذي لخصه الحسن الثاني في خطاب ألقاه لامتصاص تداعيات المحاولة الانقلابية، وأكد فيه أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية كانت تستهدف “إغناء الفقير دون تفقير الغني”،” لكن للأسف الشديد بقدر ما أن الفقير لم يغتن زاد الغني ثراءا”، و شدد الحسن الثاني الذي حاول التبشير بصفحة جديدة على أن الحكومة المقبلة سيكون على رأس أولوياتها إعادة توزيع الدخل الوطني توزيعا عادلا.
الشخصية المحورية في هذا الملف كان رجل أعمال اسمه عمر بن مسعود الذي قيل عنه أنه استغل اشتغاله في عدد من الدواوين الوزارية، ليقوم بالسمسرة في عدد من العمليات، تمكنت خلالها عدد من الأسماء من العيار الثقيل من تحصيل رشاوى ضخمة قبل أن يفتضح أمر هذه الشبكة بسبب فندق شركة “بانام الأمريكية” التي قامت باختيار الأرض، واتفقت مع أصحابها على السعر ليظهر عمر بن مسعود، ويطالب بنصيبه ونصيب عدد من المسؤولين من هذه الكعكة كشرط لإتمام عملية البيع وحدد المبلغ في 600 مليون سنتيم، والخطير أن الرشوة فرضت على كل متر مربع من الأرض التي كان سيقام عليها الفندق ، أما القضية الثانية فكانت لها علاقة بباروك دهان الذي كانت له ارتباطات وثيقة بعدد من المسؤولين خاصة بالمكتب الوطني للأبحاث والمساهمات المعدنية،وكذا بصندوق الإيداع والتدبير، ما سمح بحدوث تلاعبات مالية كبيرة عن طريق المضاربة في مجال العقار، لدرجة أصبح معها الصندوق معروفا باسم “صندوق الإسراف والتبذير”.