رغم صدور عدد من التقارير الرسمية على مدار السنوات كشف مجلس المنافسة استمرار نفس الأعطاب القديمة التي تعاني منها أسواق الخضر والفواكه بالمغرب.
وأكد المجلس، في رأي جديد له، حول وضعية المنافسة في أسواق الخضر والفواكه بالمغرب، إن “الإطار القانوني الذي ينظم أسواق الجملة وعملها لا يزال غير مكتمل وغير واضح، سواء بالنسبة للقطاع ككل أو لكل سوق محددة”، مضيفا أنه فيما يتعلق بأسواق الجملة للفواكه والخضر، فإنه “لا يوجد إطار قانوني محدد ينظمها، إذ لا تظهر سوى جوانب مجزأة تتعلق بإنشائها وإدارتها في أحكام قوانين متفرقة، بعضها قديم”.
ونبه المجلس لغموض دور الوكلاء في أسواق الجملة، وقال إن “الرقابة التي يمارسها الوكلاء بصفتهم المديرين المسؤولين عن ضمان الإشراف على البلاط المخصص لهم وإدارته غير كافية، لأنهم في كثير من الأحيان لا يتواجدون في الموقع، وفي معظم الأحيان يفوضون سلطتهم إلى أطراف ثالثة، بالإضافة إلى ذلك، يجد غالبية المفوضين أنفسهم في وضع قانوني غير واضح بسبب عدم تجديد تفويضهم بانتظام، على الرغم من أن المرسوم المنظم لهذه الصفة ينص على التجديد كل ثلاث سنوات”.
وفيما يتعلق بمراقبة الأسعار، سجل مجلس المنافسة أن نظام الرقابة الحالي، الذي يتألف بشكل أساسي من موظفين إداريين مفوضين بشكل خاص، ولا سيما مراقبي الأسعار، يظل “غير كاف للسهر على تطبيق الضوابط اللازمة”.
واعتبر المجلس أن الوسطاء المتدخلين في قنوات التوزيع، سواء وصفوا بتجار الجملة أو المجمعين أو السماسرة أو غيرهم من الأسماء يمثلون “العنصر المحوري في تشغيل أسواق الجملة للخضر والفواكه”.
ووفقا للتحليل الميداني الذي قام به المجلس والمضمنة في نص الرأي، فإن الوسطاء يستحوذون على معظم القيمة المضافة الناتجة عن سلسلة التوزيع والتسويق.
وأظهر التحليل أن هامش الربح الإجمالي للوسطاء يبقى العنصر المهيمن في تشكيل أسعار المبيعات، حيث يستحوذ على ما يقرب من 34 في المائة من السعر النهائي في المتوسط مقارنة بنسبة 30 في المائة فقط للمنتجين .
وبحسب الرأي، فإن الوسطاء يحتلون في سلسلة الخضر والفواكه موقعا استراتيجيا بين المنتجين والمستهلكين، ما يمنحهم قوة مهمة في تحديد الأسعار، يضيف المصدر ذاته.
وفي الوقت الذي يساهمون فيه في توافر المنتجات، يردف الرأي، فإن الوسطاء يعتبرون أيضا كصانعي أسعار وتؤثر قراراتهم وردود أفعالهم تأثيرا مباشرا على الأسعار في كل مرحلة من مراحل السلسلة، بدءا من الإنتاج وحتى البيع بالتقسيط.
ويمكنهم، يورد المصدر نفسه، تعديل الأسعار وفقا للطلب في السوق والمعروض من المنتجات المتوفرة، وتكاليف التوزيع، وتفضيلات المستهلكين والعوامل الاقتصادية الأخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، كشف التحليل الذي تم إجراؤه عن اختلال كبير في توزيع الأرباح داخل قطاع الخضر والفواكه، مشيرا إلى أنه بينما يكافح المنتجون، الذين غالبا ما يواجهون تحديات زراعية واقتصادية للحفاظ على ربحيتهم، فان الوسطاء يحصلون على حصة غير متناسبة من الأرباح.
وخلص المجلس إلى أن الوسطاء بالإضافة إلى قوتهم السوقية ودورهم كصانعي الأسعار، فإن وجود العديد منهم في دائرة التوزيع (تجار الجملة والسماسرة والوسطاء والوكلاء بالعمولة) يبقى عرضة للانتقاد بسبب افتقارهم إلى التنظيم وتأثيره على الأسعار المستهلك النهائي.
ويغطي قطاع الخضر والفواكه حاليا مساحة تقارب 700,000 هكتار، ما يشمل 460,000 هكتار من مساحات زراعة الفواكه (باستثناء أشجار الزيتون)، و240,000 هكتار من المساحات المخصصة لزراعة الخضر.
ويبلغ متوسط الإنتاج الفلاحي السنوي حوالي 5.11 مليون طن، يتضمن 2.4 مليون طن من الفواكه و3.7 مليون طن من الخضر، وفق المعطيات الواردة في الرأي.
ويرى المجلس أن الثغرات في الإطار القانوني لأسواق الجملة “أدت إلى حدوث ارتباك وصعوبات في تنظيمها وتشغيلها، ما أضر بفعاليتها وقدرتها على تلبية احتياجات قطاع الفواكه والخضر.”
وفيما يتعلق بتجار الجملة، سجل مجلس المنافسة غياب إطار قانوني يحدد نوعيتهم، مما يجعل من الصعب تحديدهم، على عكس ما هو منصوص عليه في أفضل ممارسات القانون المقارن.
وسجل مجلس المنافسة أن تعقيد وتعدد أصحاب المصلحة المعنيين بالإدارة والمراقبى، من قبيل السلطات الحكومية ذات الصلة، والسلطات المحلية، والسلطات التنظيمية والرقابية، وهياكل الإدارة بما في ذلك شركات الإدارة المباشرة، والمندوبين وشركات التنمية المحلية، والمجموعات المهنية والمشغلين التجاريين، يؤدي إلى “حالة من الضياع وتداخل الصلاحيات، مع عدم وضوح مجالات التدخل والمسؤوليات”، ما يؤثر على هيكل الحكامة وتنظيم القطاع.
وأورد رأي المجلس أنه “في ظل غياب هيئة توجيهية وطنية تتولى تنظيم أسواق الجملة للفاكهة والخضر على وجه الخصوص، يبقى التنسيق والإشراف الفعال على هذا القطاع الحيوي غير موجود”.
ولفت المجلس إلى أن هذا الوضع لا يضر فقط بجدوى واستقرار النموذج الاقتصادي لهذا القطاع، بل يمتد تأثيره السلبي أيضا إلى قضايا الأمن الغذائي في البلاد، مبرزا في هذا السياق الدور الحاسم التي تلعبه أسواق الجملة في توزيع المنتجات الغذائية الطازجة وتوافرها.