فتحت فضيحة تقديم وجبات بها صراصير للأساتذة ضمن تكوينات المدرسة الرائدة، وقبلها حوادث التسمم الغذائي المتلاحقة التي يتعرض لها التلاميذ الباب مشرعا أمام شبهات الفساد التي تلاحق صفقات الإطعام، والتي ترصد لها الوزارة عشرات الملايير سنويا.
ففي الوقت الذي يسارع فيه المسؤولون دوما إلى نفي تهمة التسبب في حوادث التسمم الغذائي، نجد بأن توالي الحوادث، ماهو إلا الجزء الظاهر في جبل جليد، يؤكد بعض المسؤولين الإداريين، وخاصة بعض مدبري المؤسسات التعليمية التي تضم مطاعم مدرسية، والذين يؤكدون بأن الملف أكبر من لجان مراقبة محلية أو إقليمية، لكونه يتعلق بصفقات تقدر بملايير السنتيمات، يتم إبرامها جهويا وإقليميا مع ممونين كبار، وهؤلاء يستفيدون من وضعية الريع التي يعيشونها في التلاعب بالأوزان والجودة وتواطؤ بعض المراقبين وبعض المسؤولين الصغار.
في سنة 2015 عاش مستشفى الزبير السكيرج بمدينة سوق الأربعاء الغرب حالة استنفار طبي وأمني، بعد محاصرته من قبل مئات المواطنين الذين نقلوا أزيد من 200 تلميذ لتلقي العلاج اثر ظهور أعراض تسمم خطيرة على عدد كبير منهم.
وانتقل عدد من كبار المسؤولين في السلطة والأمن الوطني، وعناصر من الاستعلامات،لمقر المستشفى الذي استقبل حشودا من المواطنين الغاصبين من تعرض أبنائهم لتسمم، عقب تناولهم لوجبة غريبة قدمت لهم في إطار الإطعام المدرسي، ويتعلق الأمر ب”كويرات” من كفتة السمك المعلب، وضعت في قطع خبر بإحدى المنازل، قبل أن يتم نقلها لتلاميذ إحدى الفرعيات بجماعة سيدي بوبكر الحاج.
هذه الفضيحة لم تمنع من تكرار حوادث التسمم التي تكشف عجز الوزارة عن ملاحقة الجوانب الخفية التي يلجأ لها مسؤولو الوزارة، جهويا وإقليميا، في تدبير هذا المجال الذي يدر على ممونين وشركات أرقاما خيالية.
تكتفي لجان المراقبة بمراقبة صورية ومناسباتية لشروط التخزين والطبخ والتغذية، في حين أن المشكلة الأصلية تبدأ باختلالات الصفقات المبرمة مع ممونين وشركات مناولة غرضها الأساسي هو الربح والتربح من التغذية والتي تدخل ضمن المستهلك le consommable، في ظل صعوبة القيام بمراقبة جودة وكمية المواد الاستهلاكية التي يتم تقديمها للتلاميذ في المطاعم المدرسية. لأنه عمليا لا يمكن للجان المراقبة قياس وزن أو جودة كل قطعة لحم أو دجاج أو وزن وجودة كل كمية من البقوليات التي يتم طبخها أسبوعيا، وتقديمها للتلاميذ.
هذه الوضعية ينسبها مفتشون متخصصون في التدبير المالي والمادي لأسباب مسطرية أولا، أي مسطرة تشغيل المطاعم المدرسية، ثم ثانيا لطبيعة الصفقات التي يتم إبرامها، جهويا وإقليميا مع مختلف المتدخلين، بدءا من التمويل والتخزين، وصولا للطبخ والتقديم، ورغم محاولة الوزارة في السنوات الأخيرة، تقليص عدد الصفقات المعتمدة في تحضير وإعداد وتقديم الوجبات، وكذا ترشيد النفقات المرتبطة بخدمة الإطعام بالمؤسسات التعليمية، فإن هذا أدى إلى تركيز الصفقات في أيادي شركات ومقاولات بعينها.