الدكتورة أم هاني الدلاني*
الترجمة الى العربية : نيشان
تمر البشرية في الوقت الحالي، بنقطة تحول تذكرنا بمختلف اللحظات الحاسمة التي شكلت مسارها عبر التاريخ. قد يقول البعض إن هذا هو منطق التاريخ وتشعباته، لكن آخرين سيرُدون: “نعم، ولكن كيف؟”. في زمن العولمة المحلية (Glocalisation)، حيث يتداخل المحلي والعالمي، أصبحت تعقيدات الواقع والطموح قيدا كبيرا. تعدد الأطراف الفاعلة، تنوع الظروف، ترابط الأدوار، والأهم من ذلك، تضارب المصالح، كلها عوامل تزيد من حدة التوتر الذي يطبع واقعنا الحالي.
لم تعد التفاوتات الاجتماعية والمكانية مقتصرة على مناطق الجنوب أو على الأطراف النائية فحسب، بل أصبحت ظاهرة عالمية تطرح أسئلة جوهرية حول الحوْكمة العالمية. هذا الوضع هو نتيجة مباشرة لما بعد الحرب العالمية الثانية وما صاحبها من اتفاقيات بريتون وودز عام 1944، والتي أصبحت اليوم موضع تساؤل من نواحٍ عدة. تدّعي الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، وسط تضخمها التنظيمي، أنها تضع الإنسان/ “مواطن العالم” في صميم اهتماماتها، لكن الفوضى الحالية تعني الجميع. وبعيدا عن تحقيق “مواطن العالم”، لا يزال الواقع يُظهر وجود فئات من البشر: من الدرجة الأولى، الثانية، وصولا الى درجات أدنى.
إن حتمية الجغرافيا وتأثيرات التاريخ تُقوض حاليا وبشكل منهجي أبسط حقوق الإنسان، وهو الحق في الحياة.
لا أريد هنا أن أضيعَ في تفاصيل الجغرافيا السياسية وأخطائها المستمرة، بل أرغب في بناء جسر صغير لتوضيح أن التناقضات بين “ما هو كائن” و”ما يجب أن يكون” لم تعد تخص العالمي بمعزل عن المحلي، ولا المحلي بمعزل عن العالمي. في ظل تصنيف البشر إلى درجات متفاوتة، نواجه اليوم مجالات ترابية مصنفة بشكل هرمي؛ حيث يُبرز التقدم الملحوظ في بعض المراكز المتطورة التباين الصارخ مع المناطق المهملة في الهامش.
لا يمكننا أن نطمح إلى مساواة مثالية أو مجالات ترابية متجانسة تماما، لكن علينا أن نفرق بين تنوع إبداعي وجمالي، وتفاوت اجتماعي مستفز. فلا قيمة للإنسان دون قاعدة اجتماعية ومجالية يستند إليها، كما أن المجالات الترابية التي تفتقر إلى مواطنين متعلمين، مكونين، مدنيين، متمدنين، واعين، وقبل كل شيء مسؤولين، لن تستطيع أبدًا توفير أساس للتراكم الحضاري.
باختصار، سواء كان البلد صغيرًا أم كبيرًا، كان المواطن رجلاً أم امرأة، حضريًا أم ريفيًا، طفلاً أم بالغًا، أبيض أو ملونًا… فإن الإنسان والأرض المستدامة يجب أن يكونا جوهر وغاية كل جهد إنساني، فرديًا كان أو جماعيًا، رسميًا أو غير رسمي، محليًا أو عالميًا. هذه هي البوصلة التي ستقودنا/ تنقدنا من التفاوتات الاجتماعية والمجالية نحو نوع من العدالة الاجتماعية و السوسيومجالية بين الأفراد، وبين الدول، وبين الأوطان.
تفرض التعقيدات الحالية الحاجة إلى مقاربة متعددة التخصصات، إلى الحوار واحترام الآخر، إلى التنوع وقبول الاختلاف الذي يقود إلى التكامل. كل ذلك لنذكر أنفسنا، وللأننسى أبدًا، أنه لا يوجد شيء أكثر قدسية على هذه الأرض من الإنسان!*
*أستاذة جامعية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس