باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى ٱله وصحبه أجمعين.
السيد النقيب والسادة النقباء السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب السادة المستشارين بديوان السيد الرئيس المنتدب للسلطة القضائية السيد رئيس المحكمة الابتدائية بأزرو السيد عميد كلية لحقوق بمكناس السادة الأساتذة الجامعيون زميلاتي زملائي الحضور الكريم كل واحد باسمه وصفته والمقام الرفيع الذي يليق به مع التحفظ عن ذكر جميع الألقاب. يطيب لي، أصالة عن نفسي ونيابة السيد نقيب هيئة المحامين بمكناس وكل أعضاء مجلس النقابة الموقر وخاصة أعضاء اللجنة الثقافية فيه، أن أشكركم اولا على تلبية الدعوة الكريمة من اجل انجاح هذا اللقاء العرس القانوني للتداول في تيمة نعتبرها جوهريةً في صميم مهنة الدفاع، ثانيا لما قدمتم وتقدمون من خدمات جليلة من أجل إحقاق الحقوق وصون حرمة الحريات.
ولنا، بهذه المناسبة والمناسبة شرط، كل الشرفِ في رئاسة هذه الندوة النوعية في موضوعها “العدالة الاجرائية من خلال القوانين المغربية والعمل القضائي” والمحاضرين فيه وجمهورها النوعي وعمق التيمة مثار التأمل الجماعي.
السيدات والسادة إنني أود بادئ وذي بدء أن أنطلق من العلامة عبد الرحمان ابن خلدون الذي عاش ما بين 1332 و1406 ميلادية في معرض ربطه إحقاق الحقوق بإقامة الحضارة وتأسيس العمران قائلا في متنه المشهور بإسم ” مقدمة ابن خلدون في فصل خاص ” : ” إن الظلم مؤذن بخراب العمران ” ؛ ومردّ الفهم ها هنا أن الظلم يفضي إلى هلاك الدول وترهل المجتمعات، بيد أن العدل يؤسس الحضارة والعمران.
لذلك، وحسبي أن اختيار هذا الموضوع للمطارحة اليوم لا يعزى إلى ترف فكري أو بدخ معرفي ضمن ما نسميه ب ” البرستيج الإبيستيمولوجي “، كما لا يحركني هوس بسيكولوجي نابع من طبيعة مهني وعملي كمحامي يمارس؛ أبدا.
إذ بالأحرى تتمأسس مرجعية اختيار القانون بين المضمون والشكل أرضية للتفكير الجماعي على رجحان التفكير في ما نسميه في الواقع بـ”الزمن القانوني” في علاقته ب ” الزمن القضائي ” لصالح تجويد المنتوج لصالح حرمة الحقوق وقدسية الحريات.
لكل هذا دعوني سيداتي وسادتي، أن أؤكد، في رحاب عفوكم، أن الجوانب الشكلية لا نستخف بها ولا نستصغر بأهميتها في ضبط مسارات القضايا صغيرة كانت أو جليلة، بل، على نقيض ذلك، نرنو فقط التأكيد أنها، وفق مغزى منطق المقاصد في تحقيق الحقوق وإحقاقها، تتموقع في خدمة الموضوع والهدف والغاية الذي هو صُلب الأمن القضائي من مدخل الأمن القانوني.
فسيادة القانون أساس السلم والأمن والاستقرار، وهي ضرورية لبلوغ المواطنين إلى الخدمات العمومية، وأداة إجرائية إلى كبح الفساد، وهي أيضا وسيلة للحد من الشطط في استعمال السلطة، وهي أقوى اللبنات وأصلب الأركان في إرساء عقد اجتماعي سليم بين المجتمع أفقيا ومع الدولة عموديا من خلال ما نعتبره الحلقة الذهبية في الحكم الرشيد.
زميلاتي، زملائي الحضور الكريم، إسمحوا لي، وأنا أمام قِبلة نيّرة من العلماء والفقهاء الذين راكموا أكثر مني لأجزم، أن أعرض عليكم بضعة تساؤلات من باب ما يسميه علماء الأصول ب ” مورد النزاع “؛ ذلك لا غرو ” إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره “، وعليه :
* أليست الإجراءات المسطرية، في كل القضايا، مدخلا إجرائيا ينشد حسن إقامة المسار نحو الغاية المتوخاة وهي إدراك العدل والحق؟ وبالتالي لا يجب أن تكون هدفا في ذاتها، بل، منهجيا، هي مدخل مستقيم نحو هدف أقدس وهو العدل في ضبط مورد النزاع القابع في الموضوع.
* هل يناسب واقع الممارسة فعلا وحقيقة استهلاك حصة الأسد من الزمن والانتاج القضائي في الشكليات، على أهميتها، على حساب الموضوع، على أولويته ؟! وبالتالي يصبح، من حيث لا ندري أو ندري، الجانب الشكلي أكثر أهمية من الموضوع ذاته ضمن مفارقة يسميها إيمانويل كانط رائد التنوير ب “الترنسندنتالية ” أي مفارقة معيارية متعالية يستعصي تملكها في خضم الماهية والجوهر، وبالتالي الموضوع، وعليه تختلط الأولويات في زمن قضائي، لا مراء، دقيق في تمفصلاته وغير قابل للهدر .
* أليس من العبث المضمر أن يُعتبر القانون هدفا لنفسه؟! على أشلاء البعد الماهوي، أي جوهر شرعية القضاء، الذي هو الموضوع كمورد للتقاضي بما يستدعي اعتبار القاعدة القانونية وسيلة لإدراك العدل والحق غاية، وبُناء عليه من المفروض بناء اليقينيات الإجرائية في كون كل الشكليات المسطرية طريقا يُفترض فيها الوضوح واليُسر والإستقامة من أجل حسن بلوغ تفكيك حيثيات الموضوع لصالح الغاية الفضلى ومفادها إقامة العدل ودحض الحيف والجور.
يبدو لي، سيداتي وسادتي، في حضرتكم جميعا، في هذه المناسبة والمناسبة، وهي شرط على حد تعبير ووصف الفقهاء التصريح أن هذا النقاش يندرج في عمق ما سماه فيلسوف الفعل التواصلي يورجين هابرماس ب ” تملك الفضاء العمومي على قاعدة التواصل “، لذا نهيب بكم اليوم من أجل توطيد وشائج التواصل بيننا نحو بناء سرديات قانونية جديدة في مقدمتها سردية فلسفة القانون وروح القانون بدل منح المداخل أهمية على حساب الغايات .
وصفوة القول لكم ولنا جميعا من رحابة التفكير ما يكفي، و” لكل وِجهَة هو مُوَلِّيها فاستبقوا الخيرات ” صدق الله العظيم، هو ولي وهو خلف القصد وإليه النشور. والكلمة للأجلاء المتدخلين.
(من مداخلة في الجلسة الافتتاحية ليوم دراسي نظمته هيئة المحامين بمكناس تحت عنوان: “العدالة الاجرائية من خلال القوانين المغربية والعمل القضائي”)
صبري الحو، خبير في القانون الدولي، عضو مجلس هيئة المحامين بمكناس ومكلف بالشؤون الثقافية
الرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي