في قلب واحات زاكورة، حيث يقاوم النخيل قسوة الجفاف وحرارة الصحراء، تتعرض المنطقة لاستنزاف بيئي يهدد بإزالة إرثها الطبيعي والثقافي. تكتسح “لوبيات” المنطقة، مستغلة تواطؤ السلطات المحلية وهشاشة الوضع الاقتصادي للسكان لنقل النخيل إلى مدن كبرى مثل اكادير ومراكش وحتى الدار البيضاء.
وفي مشهد مؤلم، يقف السكان عاجزين أمام تهجير أشجار النخيل، التي كانت يوما مصدر حياتهم، تاركة خلفها أرضا خاوية تئن تحت وطأة العطش جراء توالي سنوات الجفاف. فضلا عن التهميش والنهب، إذ تعمد جهات “نافذة”، حسب شكايات جمعيات جماية البيئة، الى شراء أشجار النخيل من أصحابها البسطاء بأثمان بخسة، أو تقوم باقتلاعها عنوة وبشكل غير قانوني، قبل نقلها إلى مدن اخرى لتزين الشوارع او المنتجعات السياحية وحتى الفيلات و الاقامات الفخمة.
في هذا الصدد، يرى نجيب باحسينة، رئيس جمعية “إكولوجيا للتربية على البيئة”، أن ما يحدث في زاكورة جريمة مزدوجة، اجتماعيا وبيئيا. وقال في حديثه مع نيشان إن النخيل ليس مجرد شجرة، ” بل هو نظام بيئي متكامل يوفر الظل، ويحمي التربة من الانجراف، ويُسهم في تخزين الكربون. واقتلاع النخيل من الواحات يؤدي إلى خلل بيئي لا يمكن تعويضه بسهولة، ويُهدد التراث الزراعي والثقافي للمنطقة.”
تهجير النخيل.. بين التجميل والاستنزاف
قد يُضفي تهجير النخيل إلى المدن الكبرى لمسة على تلك المناطق رغم ما يلاحق هذا الفعل من انتقادات، لكن الاكيد انه يترك خلفه واحات فارغة وسكانا محرومين من موردهم الأساسي. وعليه، يطالب الناشطون البيئيون المحليون وجمعيات المجتمع المدني الوطنية، على غرار “حركة مغرب البيئة 2050” بتدخل حكومي عاجل لوقف نزيف سرقة النخيل.
من جهته، شدد باحسينة على ضرورة تعزيز القوانين الرادعة، وفرض رقابة صارمة على ممارسات نقل النخيل، إلى جانب دعم سكان المناطق المتضررة ببرامج اقتصادية مستدامة لتقليل الاعتماد على مواردهم الطبيعية.
كما دعت فعاليات حقوقية اخرى إلى إطلاق برامج لإعادة التشجير وحماية الواحات، باعتبارها إرثا بيئيا وثقافيا فريدا يحتاج إلى رعاية خاصة. فالحفاظ على النخيل والواحات ليس مجرد قضية بيئية، بل هو استثمار في استدامة الحياة في زاكورة والمناطق المشابهة.
جهود قانونية لم تُوقف الظاهرة
في عام 2004، نجحت جمعية “أصدقاء البيئة” في استصدار قرار عاملي يجرّم اقتلاع النخيل، تبعه قانون وطني في عام 2007 يهدف إلى التنمية المستدامة لنخيل التمر. ومع ذلك، عادت الظاهرة مؤخرا، مما دفع الجمعية إلى مراسلة الجهات المختصة، بما فيها عامل إقليم زاكورة والوكيل العام للملك بكل من المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف بورزازات، للمطالبة بفتح تحقيق عاجل في سرقة النخيل ونهبه وتفعيل القوانين الرادعة.
ومع غروب شمس يوم آخر، يقف سكان واحات زاكورة، يتأملون المساحات الخاوية التي كانت تغمرها أشجار النخيل الباسقة. أصوات الرياح الحزينة تحمل معها ذكريات مضت، بينما يستسلم السكان بحسرة للوضع. مشهد يجسّد صرخة صامتة لسكان فقدوا سبل حياتهم تحت أنظار من يجنون الأرباح بعيدا عن عواقب أفعالهم.