خرج بنك المغرب منذ شهور ليدق ناقوس الخطر حول مكونات الكتلة النقدية في بلادنا. لدينا نظام بنكي يضم مؤسسات وشركات كثيرة. لدينا الأبناك التجارية التي تعمل وفق آليات السوق. لديها زبناء بالملايين، منهم من يفتح حسابات جارية ومنهم من يفتح حسابات للادخار ومنهم من يجعل من البنك مستشاره للدخول إلى السوق المالي والنقدي. وعملت الكثير من الأبناك على استيعاب جزء من الزبناء الذين يفضلون غطاء ” شرعيا” لتدبير أموالهم داخل منظومة بنكية تقدم خدمات تدخل في ما اصطلح على تسميته بالمنتج ” الحلال ” أو التشاركي. وهكذا تم صنع ما يسمى بالبنوك التي تقدم نموذجا بديلا ” شكليا” عن البنوك الكلاسيكية التي ينعتها البعض بالربوية.
و تم خلق بنيات مصرفية تمت تسميتها بأوصاف جميلة ذات بعد أخلاقي كاليسر والكرم والفضيلة والخلق الطيب ذو اللون الأخضر. وهكذا ظهرت مجموعة من الشبابيك البنكية ” البديلة أو الإسلامية أو التشاركية ” في مقرات تمتلكها تعود ملكيتها لأبناك يتم نعتها، حسب بعض السياسيين الإسلاميين، بالبنوك ” الربوية “. تم خلق ” نوافذ ” داخل المنظومة البنكية الكلاسيكية لتقدم خدمات في مجالات تمويل المشاريع والتأمين وفق إطار تحدده قواعد ومجالس تضم علماء منتمين لمجالس علمية تنظمها الحكومة عبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وأظهرت التجارب الميدانية أن تكلفة هذه الأبناك التشاركية أكبر بكثير من تلك التي تنسب للأبناك الكلاسيكية .
دبرت السلطات المالية والنقدية ملف هذا التحول الشكلي للمنظومة المصرفية بمهنية قبلها حزب رئيس الحكومة السابق، واستفادت من أرباحا نفس المؤسسات التي تنعت ” بالربوية”. ولم تفلح الأنظمة البنكية بكافة مكوناتها من توسيع تغطيتها لكافة الفاعلين في الاقتصاد. ظل كثير من تجار العقار والمنتجات الزراعية ومن يستفيدون من الريع ومجرمي تجارة المخدرات يتحكمون في سوق الأموال ذات السيولة الانية . تزايدت ثروات مجهولة المصدر وحاولت الحكومات المتعاقبة نهج أساليب الترغيب لتقليص حجم قطاع غير مهيكل، والترهيب لدفع مراكمي الأوراق المالية ،خارج القانون، لإيقاف عمليات التبييض الإجرامية. اختلط الأمر على الكثيرين من أصحاب الحسابات البنكية وعلى أولئك الذين يفضلون وضع أموالهم في بيوتهم خوفا آفات الزمن.
تحركت حملة لم ترعها الحكومة، وتم إدخال إجراء جباءي إلى ملعب التكهنات والتخويف وخصوصا للذين يفضلون الاحتفاظ بأموالهم في بيوتهم. ليس كل من يكتنز أمواله خارج المنظومة البنكية متهربا من ضريبة أو متاجر بالمحرمات. نحن مجتمع يعيش على ثقافة الاحتياط والإعداد لعاديات الزمن. وقد وجب تفعيل النظر في التصريح بالممتلكات الموضوعة لدى المجلس الأعلى للحسابات. وقد ظل هذا المجلس مكلفا بأرشفة التصريحات بالممتلكات حتى لم يعد قادرا على استقبالها في مختلف فروعه المركزية والجهوية.
لا تحتاج مؤسساتنا القوية للبحث المضني والمبرمج، كحملات ومقتضيات، عن كل مظاهر الاغتناء غير المشروع. نتوفر على أكبر الأنظمة التي تمتلك كل المعطيات. ويكفي تفعيل المحاسبة لحماية بلادنا ومؤسساته. لدينا مجلس أعلى للحسابات يجمع كل التصاريح بالممتلكات. ولدينا أيضا أنظمة لتبادل المعطيات يمكن أن تكشف عن الثروات وكيف تكونت وكيف كبر حجمها لدى فئات قليلة، من ضمنها ما هو مشكوك فيه ومنها من يتم استعماله لإفساد العملية الانتخابية.
ولهذا يمكن اعتبار “غسيل” أموال بدفع 5% من حجمها مناف لمبدأ المحاسبة والمساواة أمام القانون.
تداول جمهور القنوات الإجتماعية الكثير من الاقاويل عن “ملايير” ظهرت “فجأة” وتم دمجها في حسابات بنكية. تفاءل بعض من اغتنوا بشكل غير مبرر ووجدوا سبيلا إلى التهرب من المحاسبة. يبدو أن غرامة 5% قد تم استحسانها ممن راكموا أموالا طائلة وهم غير قادرين على تقديم الدليل أن مصدرها ليس متعلقا بأنشطة إجرامية. الغش الضريبي لا يوجد ضمن مقتضيات القانون الجنائي. قد يتسلل مجرمون إلى النظام البنكي وينعمون بوضعية تبعدهم عن المحاسبة. لا يجهل أحد أن المال الأسود في العقار موجود، وأن الرشوة تنهش الجسم الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي وغدا قد يكون مناسبة لتصفية أوضاع تحتاج للمحاسبة الحقة وليس لطمأنة من راكموا ثروات دون سبب ودون جهد منتج للثورة.
وسيظل ممارسو التجارة والفلاحة والصناع التقليديون الذين لا زالوا في أحضان القطاع غير المهيكل، وكثير من المواطنين الذين لا يثقون، بغير سوء نية، في النظام البنكي، ومن يتعاملون في قطاعات كثيرة بالنقد السائل فقط. من يزور أسواق الجملة وأسواق البهائم وكل المتاجر وكثير من المطاعم بالمدن والمراكز القروية، سيتعرف أن التعامل بالشيك والبطاقة البنكية شبه منعدم. أصبح الشك المنهجي يسكن الكثير منا. حين يتم اتخاذ قرار أو التصويت على مقتضيات تهم المجال المالي، يفتح باب لطرح سؤال: من المستفيد الكبير؟
نــيــشــان H24
- استمرار إغلاق ملحقة جامعة محمد الخامس بتامسنا يفاقم معاناة الطلبة
- ترامب يقول إنه ملتزم بـ”شراء” غزة ويستعد لمحادثات مع زعماء عرب
- شركة سويسرية تخطط لمشروع “وقود شمسي” في المغرب بمليار دولار
- لصوص أحدثوا ثقبا في مرحاض لسرقة وكالة لتحويل الأموال بسيدي إسماعيل
- توقعات أحوال الطقس ليوم الإثنين
- إسبانيا ترى في المغرب منافسها الأول في صناعة السيارات
- ترامب يهدد وينزع أقنعة الغرب
- في ظل الغلاء.. المغرب يدرس فتح أسواق جديدة للفواكه والخضروات في آسيا
- لوموند: هكذا ستغير الطائرات المسيرة التركية صناعة الدفاع في المغرب
- قبل رمضان.. الدريوش تبرر غلاء الأسماك وتطمئن المستهلكين