“أنا في قمة النشوة، وحتى حينما أذوب في موقد السعادة، أتذوق مرارة سم الحياة الكامنة تحت لساني، يا للمتعة التي أحسست بها من لمس يده لذراعي العارية، ومع ذلك أحسست بالاشمئزاز، لم أكن أتوقع هذا، كان هذا الرجل يبدو مثل الرصاص، يظن أنه يستطيع أن يخفي النار التي في داخله، بيد أنك تشعر بقلقه وتوتره، في كل تقاسيم وجهه، وفي الحمرة التي تبرق من عينيه، وفي الصمت الذي يخيم عليه، وفي الرعشة التي تغطي شفاهه الجافة”..
هذا المقطع، كما العنوان، يوحي كما لو أن رواية “عيناها” للكاتب الإيراني الشهير بزرك علوي هي رواية رومانسية أو غرامية، هي أكبر بكثير من ذلك، إنها قطعة فنية تصور إيران فى زمن الشاه “رضا بهلوى” وابنه “محمد رضا بهلوى”، تدور أحداثها حول علاقة متفردة بين شابة فاتنة لا يكشف السارد عن اسمها الحقيقى، وتظهر باسم “فرنكيس” وأستاذ جامعي فنان تشكيلى شهير يدعى “ماكان”، ومن خلال علاقة عشق جميلة ومتوترة في آن، يصف الكاتب أجواء طهران، مشاكلها وأحزانها وما ظلت تعاني منه في ظل ديكتاتورية الشاه، وتحكي نضال الأحرار الذين يموتون من أجل أن تعيش إيران حرة وديمقراطية. كما تصور رواية “عيناها” الرائعة التي صدرت لأول مرة عام 1952، وصدرت ترجمة عربية ضمن سلسلة إبداعات عالمية الكويتية، قام بترجمتها الدكتور أحمد موسى، ومراجعة وتقديم الدكتورة زبيدة أشكناني المتخصصة فى الأدب الفارسي. تصور نتائج التغريب والتحديث المفروض بقوة من فوق الذي فرضه الشاه على المجتمع الإيراني، خاصة ما يتعلق بالمرأة وما خلقه من ارتجاج وصدمة وصراع ثقافي عانى منه الفرس حتى يومنا هذا.
ينطلق سرد الحكاية بعد إعلان وفاة الرسام “ماكان” فى عام 1938 م، والاهتمام المتزايد حول أحد أبرز لوحاته التي تحمل عنوان “عيناها”، ينطلق ناظر المتحف الفني في رحلة بحث مضنية عن تفاصيل مجهولة من حياة الرسام “ماكان”، فيعثر على المرأة الملهمة التي رسمها الفنان، تحمل اسم “فرنكيس” تزور المتحف في الذكرى السنوية لوفاة الرسام “ماكان”.. إنه لقاء غريب يصل حد التناقض بين طبقتين اجتماعيتين بينهما بون شاسع، رسام مشهور منغمس في قضايا المقهورين وتعاطفه مع الكادحين وبين فتاة جميلة من أصول إقطاعية.. لكنها تسقط في عشقه وتقوم بتضحية كبرى حين تتزوج مكرهة رئيس المخابرات مقابل تخفيف السجن المؤبد على عشيقها الرسام الناشط السياسي الثوري.
تمتاز الرواية ببناء درامي فيه لحظات النزوة والفرح كما لحظات المآسي والجراح، بلغة شفيفة وغنى في أساليب الحكي اثرت الرواية الفارسية.