فوضى تصنع الملايير ، وتكرس الريع والاحتكار ..هي الخلاصة التي انتهى إليها تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة التي شكلها مجلس النواب حول مقالع الرمال والرخام.
وأشار التقرير البرلماني الذي قُدمت خلاصاته (الثلاثاء) أمام لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، إلى أن “هناك إجماعا بأن قطاع المقالع غير منظم ويعاني من الفساد”.
ووقف البرلمانيون خلال زياراتهم الميدانية التي شملت أربعة أقاليم هي، خريبكة، برشيد، العرائش، وتازة، على طرق استغلال المقالع، وحالة ووضعية بعض المقالع، ودور المراقبة، والأضرار البيئية الناتجة عن استغلالها، ومدى احترام بنود دفاتر التحملات.
وبحسب التقرير النيابي، فقد لاحظ أعضاء المهمة “وجود مقالع لم يتم تهيئتها وأصبحت تشكل خطرا على الساكنة والمنظر العام، وعدم ضمان شروط السلامة والأمن للعاملين بها، علاوة عللى الآثار البيئية المترتبة عنها.
وجاء في التقرير أنه “بالرغم من المساهمة الفعالة لهذا القطاع في التنمية الاقتصادية، إلا أنه يعاني من مجموعة من الإكراهات والاختلالات التي تهم طرق الاستغلال والعشوائية والنهب وعدم نجاعة المراقبة، مما ينعكس سلبا على المواطن والبيئة والبنيات التحتية والعائدات المالية”.
وسجل التقرير ارتباط موضوع المقالع باقتصاد الريع، وهو ما يتطلب، بحسب أعضاء المهمة الاستطلاعية “تعزيز المنظومة الشاملة للحكامة من شفافية ومنافسة حرة ونزيهة، والوضوح والسلاسة في كل الإجراءات المرتبطة بالقطاع.
كما أورد التقرير أن قطاع المقالع يجمع بين مقاولات تشكل “نموذجا خطيرا للريع” (ساحل أولاد صخار بالعرائش نموذجا)، حيث تستغل رمال الساحل نفس الجهة منذ سنة 1993، ومقاولات أخرى تحتاج إلى تدخل الدولة من أجل إنقاذها من الإفلاس.
التقرير النيابي، نبه أيضا إلى عدم التفاعل الإيجابي من الأطراف المتدخلة في القطاع بهدف إرساء وتطبيق المبادئ الجديدة في مجال الحكامة والتدبير التي جاء بها القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع، لا سيما ما يرتبط بالتوزيع المنصف والعادل لخيرات البلاد، والانتقال إلى نظام اقتصادي عقلاني وشفاف، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والقضاء عل الممارسات العشوائية وإضفاء الطابع الاحترافي على القطاع وتدبيره تدبيرا شفافا، والتشجيع عل التنافسية وتأمين عملية تزويد السوق بمواد المقالع، وضمان جودتها، وتكثيف المراقبة، وتبسيط المساطر.
وبعدما كشف عن ارتفاع عدد المقالع المنظمة منذ دخول القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع حيز التنفيذ، إلى 2920 مقلعا، أكد التقرير أن عدد المقالع التي خضعت للمراقبة لم يتجاوز 1049 مقلعا فقط، في حين أن 1871 مقلعا لا تزال خارج المراقبة، مما يعكس “وجود مقالع غير قانونية تشكل خطرا على البيئة والصحة العامة”.
ونبه التقرير كذلك إلى التأثيرات السلبية على البيئة البحرية والنشاط البحري نتيجة جرف الرمال، محذرا من تغييرات إيكولوجية تعرقل تنقل الكائنات البحرية وتؤثر سلبا على كمية وجودة الأسماك المصطادة.
ولفت أيضا إلى تلوث الهواء وتكاثر الجزيئات الصغيرة العالقة فيه، وتلوث الفرشات المائية، والإزعاجات الصوتية والضوضاء، والتأثير السلبي على صحة عمال المقالع والساكنة المجاورة، “مما يؤدي إلى عدد لا يستهان به من الوفيات والأمراض”.
كما سجل التقرير عدم التفاعل الإيجابي من طرف الإدارة مع شكايات المواطنين المتعلقة بالتلوث والأمراض المزمنة والتنفسية، والنفايات وتلوث الهواء والضجيج وإتلاف الغطاء النباتي، لافتا إلى غياب شبه تام لتدابير الصحة والسلامة والوقاية، حيث “لا تقام إلا نادرا أسيجة لمنع الولوج الحر إلى المقالع وملحقاتها، وتنظيم الممرات والمسالك بعلامات التشوير والتنبيه لوجود خطر”.
وتوقف التقرير أيضا عند وجود مقالع عمقها يتجاوز عمق الأثقاب المائية المستعملة من طرف الجوار لأغراض زراعية، مما أثر على الفرشة المائية، وساهم في نضوب الأثقاب المذكورة، وهو ما يؤثر على سكينة الجوار وصحتهم ومستغلاتهم الزراعية، ويلحق بهم أضرارا، مقدما مثالا بـ”مقلع إسمنت المغرب الذي تمت زيارته بإقليم برشيد، والذي أثر سلبا على الغطاء الفلاحي المحيط به وعلى الفرشة المائية، دون أن تتفاعل الإدارة مع شكايات الضحايا”.
وأوصت المهمة الاستطلاعية بالتعجيل بوضع مخططات لتدبير المقالع على صعيد كل جهة، والعمل على ضمان التنسيق والانسجام والالتقائية بينها وبين باقي الوثائق الأخرى، من قبيل الإطار التوجيهي للسياسة العامة لإعداد التراب الوطني، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، وبرنامج تنمية العمالات والأقاليم، وبرنامج عمل الجماعات، والمخطط الوطني للساحل، والتصاميم الجهوية للساحل، وغيرها من المخططات ذات الصلة.
ودعت المهمة في تقريرها إلى وضع مخطط استعجالي للحد من الانعكاسات السلبية لهذا القطاع على العائدات المالية للدولة، التي تتجاوز 900 مليون درهم سنويا، وكذا على الباقي استخلاصه بالنسبة للجماعات، ومستحقات الجماعات السلالية.
كما أوصت بمراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بالمقالع والتوجه نحو منع الاحتكار من خلالها، داعية المصالح والمؤسسات الإدارية المعنية بإنفاذ القانون في قطاع المقالع ارتباطا بتعددها، وعدم إنجازها لمهامها على أحسن وجه وتضارب المعطيات المقدمة من طرفها أحيانا كثيرة، ب”تحمل مسؤولياتها فيما يجري حاليا بالقطاع، خاصة أن كل الجهات المتدخلة تقر بالاختلالات والإشكالات الحاصلة فيه”.
وطالبت المهمة بالقضاء على الممارسات العشوائية في تدبير المقالع، ووضع حد للاحتكار السائد في هذا المجال بساحل إقليم العرائش، ومقالع “الغاسول” في إقليم بولمان، وفي باقي ربوع المملكة، مشددة على ضرورة وضع “حل مستعجل لملف مقالع الغاسول، وضرورة تبني مقاربة شمولية ومندمجة ترتكز على الإلتقائية والتنسيق والاندماج بين مختلف المتدخلين، بهدف تطوير أساليب تدبير هذا القطاع وعقلنة استغلاله ومراقبته”.
وفي هذا الإطار، أوصى أعضاء المهمة الاستطلاعية بتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بالمقالع العادية التي تتجاوز مساحتها 20 هكتارا، وتلك المتعلقة بجرف الاستغلال، والمقالع المُستغلة للكثبان الساحلية والرمال الشاطئية، التي كانت تشتغل خلال الفترة الممتدة من دجنبر 2017 إلى اليوم، بالإضافة إلى مقالع الغاسول، وتجميع المعطيات المتعلقة بندبير أشخاص القانون العام من إدارات ومؤسسات ومقاولات عمومية، للملفات المتعلقة بها، وإطلاع مجلس النواب على نتائج أعمالها.
وأوصت المهمة كذلك بتوفير الحماية اللازمة لرجال السلطة والأطر والموظفين الذين ينتقلون للقيام بمهامهم الرقابية ويتعرضون لاعتداءات مختلفة من طرف عصابات إجرامية متخصصة في نهب الرمال، كما حثوا على وضع إجراءات تنظيمية واضحة ومضبوطة، عبر اعتماد معايير وضوابط متقدمة وأكثر دقة تحدد فيها مهام مختلف المتدخلين في مجال مراقبة المقالع وتضمن من خلالها الإلتقائية بينهم، وتفعيل آلية ربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الاتكالية، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالمراقبة.
وأوصت أيضا السلطة الحكومية المكلفة بالتجهيز، باعتبارها الجهة المانحة للتراخيص باستغلال المقالع، باستخلاص مستحقات مختلف المتدخلين العموميين دفعة واحدة، بما في ذلك مستحقات الجماعات، على أن يتم تحويلها بعد ذلك لفائدتهم.
طالب أعضاء المهمة الاستطلاعية المؤقتة بمنع تعميق المقالع إلى مستويات تضر بالفرشة المائية وتساهم في نضوب الأثقاب المائية وتلوثها، مشددين على ضرورة التعاطي الإيجابي مع شكايات المواطنين المتعلقة بالتلوث والأمراض المزمنة والتنفسية، وكذلك الشكايات المتعلقة بالنفايات وتلوث الهواء والضجيج وإتلاف الغطاء النباتي.