قبل أن يبادر السي شكيب بنموسى، وزير الداخلية السابق، لتسقيف سن مباريات التعاقد، تقدم حوالي ربع مليون مجاز ومجازة بطلب ترشيحهم لاجتياز مباراة أطر الأكاديميات، إما كمعلمين أو ملحقين إداريين وتربويين واجتماعيين.
الرقم لوحده كافٍ للتأكيد على أن البطالة في هذا البلد السعيد تمتد، وتعصف بآمال مئات الألوف من أبناء المغاربة الذين يغرقون قسراً في سنوات الضياع، بعد حصولهم على شهادات جامعية ودبلومات وتكوينات.
نحن هنا لا نتحدث عن شريحة واسعة من الشباب غير المؤهلين ممن ودعوا صفوف الدراسة دون الحصول على أي شهادة، والذين يبقى رقمهم مخيفاً.
بل نتحدث عن منتوج لعملية تعليمية استنزفت الكثير من المال العام من الدولة، والجهد والصبر من الأسر، لتكون الحصيلة بطالة شاسعة، ظلت وعلى امتداد عقود، شبحاً يلاحق وبإصرار معظم أبناء المغاربة، إلا من ابتسم له الحظ، أو كانت له “كالة” أو اسم عائلي يشفع له كما حدث في مباريات المحاماة.
لن نخوض في النقاش حول الجدوى من اعتماد هذا النوع من المباريات في قطاع التعليم، الذي يخضع حاليا لعملية إصلاح و”سرقات” جديدة بأفكار وعقليات قديمة ومعطوبة بعد كل المشاريع الفاشلة.
ما يهمنا هو هذا العجز الحكومي الفادح في انتشال مئات الآلاف من خيرة شباب الوطن من بطالة حاصرتهم بعد سنوات من الكد والاجتهاد، ودفعت عدداً منهم لركوب قوارب الموت بعد أن ضاقت السبل وجف حبر التمني.
واقع تفاقم بعد أن خلقت لنا الحكومة سلسلة من الفقاقيع مثل برنامج “فرصة”، و”انطلاقة”، و”أوراش”، الذي لا يعدو أن يكون نسخة محينة من الإنعاش الوطني.
أحدث تقرير للمندوبية السامية للتخطيط كشف عن أرقام جد صادمة بشأن سوق الشغل، أياماً قليلة بعد التصريحات التي قال فيها عزيز أخنوش إن حكومته حققت في سنة ما لم يتحقق في 10 سنوات.
المندوبية قالت أن 1.5 مليون شاب وشابة على المستوى الوطني، (أي نصف سكان دولة قطر)، لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين.
لقد سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن رفع للملك تقريراً ساخناً حذر فيه من “القنبلة” التي تهدد المغرب.
المجلس دعا لجعل التعليم أولوية وطنية وقال إن الهدر المدرسي يعد “قنبلة موقوتة لم تعالجها السياسات التعليمية بالقدر الكافي”… لكن لا حياة لمن تنادي في ظل حكومات تنويم الأزمات.
النتيجة اليوم أننا نملك جيشاً من الشباب بطاقة غير مستغلة.
طاقة لم ننجح في إعادة تدويرها بعيداً عن الانحراف والإجرام والتطرف، وتصريف فائض العدوانية والسلبية داخل المجتمع عبر عدة أشكال. الصورة قاتمة فعلاً.
ولعل رقم الذين يتزاحمون على المباريات المعدودة التي أفلتت من تقشف الحكومة يؤكد، ومن جديد، أن هذه الأخيرة لا تملك حلولاً لمشاكلنا القديمة، وعلى رأسها البطالة، والعجز عن تحقيق إقلاع اقتصادي بجلب استثمارات أجنبية حقيقية وبقيمة مضافة.
حكومة تكتفي بتسويق الوهم كإنجاز في مجال التشغيل، من خلال نشر أرقام ومعطيات تحيل في الواقع على بطالة مقنعة قوامها ساعات عمل طويلة ومرهقة، ومقابل مادي جد مخجل في زمن الغلاء الفاحش… تماماً كما يحدث في معامل “الكابلاج” التي صنعت نسخة مغربية من “حياة الماعز”.