شريفة، نزيهة، وابنة الصالحين.. لكنها تحتاج إلى “شد الحزام” لضبط حزب يسعى إلى قيادة حكومة 2026 في سباق سيكون شرسا مع “الأحرار”.. هكذا تبدو فاطمة الزهراء المنصوري، منسقة قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، وهي تواجه هذه الأيام تداعيات أزمة “أبو الغالي” التي كشفت النقاب عن جزء من أعطاب الوضع الداخلي لحزب جرب السير على ثلاث عجلات، مع منح ابنة “سبعة رجال” مهمة الربان.
في عز الصراع الذي تفجر مع أبو الغالي، وحتى عندما وصف الأخير فاطمة الزهراء المنصوري بأوصاف “تحكمية”، من قبل الديكتاتورية والاستبدادية، فإنه لم يشكك في نزاهتها ولا في نقاء مسارها، وهذا أمر يحسب لـ”الزعيمة” الحقيقية لحزب “التراكتور”.. لذلك لم تجد وزيرة السكنى أدنى حرج في أن تقول بصوت عال: “أنا بنت الصالحين”… فلا هي صاحبة شركة لها مصالح مع الدولة، ولا هي متورطة في ما واجهته قيادات سابقة من اتهامات.. ولا هي مدينة لأحد بالملايير أو متهمة بالنصب أو الاحتيال.
لكن النزاهة ونقاء السيرة والمسيرة لا يكفيان لوحدهما من أجل تسيير حزب كبير من حجم “البام”.. لا يكفيان في مشهد حزبي يحتاج إلى الكثير من “السوفل” و”الزعامة” من أجل ضبط الإيقاع وتوجيه سفينة الحزب بشكل جيد، بدل البقاء تحت رحمة حوادث سير لا تنتهي وتستنزف الكثير من الجهد والوقت، خاصة أن المحيط ليس بذلك “النقاء” المثالي الذي قد تطمح إليه، ما يجعل مهمتها لتخليق “البام” تحتاج إلى كثير من الجهد.. والصبر السياسيين.
ففي ما يوصف بأنه “حزب صديق الملك” الكثير من “جيوب المقاومة” و”الخلايا النائمة” التي تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على مقود “الجرار”، أو حتى التحكم في دفة القرار ولو عن بعد.. وفي حزب بهذه المواصفات و”الإشكاليات” لا يكفي أن تكون من “نسل الصالحين” لتمسك بزمام الأمور، وتتحكم فيما يجري ويدور.. خصوصا إذا كان بجانبك العديد من “أصحاب المقوصة” الذي يجيدون “التفصيل والخياطة” على أهوائهم السياسية.. “قيادات” ترفع شعار بـ”المهل يتكال بوذنجال”.. وكذلك يفعلون، بينما تتلقى “ابنة الباشا” الضربة تلو الأخرى.
لا تكفي النزاهة لوحدها، لأن ما وقع لحزب العدالة والتنمية دليل واضح على أن السياسة لا تلعب فقط في ملعب النزاهة ونقاء السريرة، بدليل أن هذا الحزب لم يطرح لديه، بشكل جدي، مشكل النزاهة أو الفساد، لكنه لم يستطع إقناع المغاربة للمرة الثالثة بهذا النموذج السياسي.. فالنزاهة معيار يفترض أن يتوفر في السياسيين “Par Défaut”، ولاسيما أولئك الذين يدبرون الشأن العام ويحتكون بالصفقات والأموال.
لذلك، فإن فاطمة الزهراء المنصوري، بإيجابياتها وسلبياتها، تواجه اليوم امتحانا حقيقيا في تخليق “البام”، وتعميم “وصفة النزاهة” من القيادة إلى القاعدة. ذلك أن صورة الأصالة والمعاصرة ارتبطت دائما بمفهوم النفوذ والفساد، وهي صورة لطالما استُغلت من طرف خصوم الحزب من أجل الضرب في مصداقيته والحد من اتساع قاعدته الانتخابية.. كما ان الهجوم الذي تتعرض له المنصوري اليوم، حسب مصادر من داخل الحزب، تقوده بعض جيوب المقاومة التي لم تستسغ “المسار التخليقي” الذي نهجته القيادة الجديدة.
لطالما تلقى “البام” الضربات في السابق حتى من حليفه اليوم في الحكومة حزب الاستقلال، الذي خاض معه صراعا شرسا لاسيما في عهد أمينه العام السابق الذي اتهم أعضاءه بـ”تجار المخدرات”. فالحزب يجر وراءه تاريخا من تجاوزات بعض أعضائه وقياداته السابقة، والتي وصلت مداها مع قضية الناصيري وبعيوي التي أتت لتفيض ما في الكأس، وتدفع القيادة الجديدة لجعل ملف التخليق على رأس الأولويات.
اليوم تريد المنصوري تحقيق توليفة سحرية بين حزب قوي يقود المشهد الحزبي والسياسي، دون أن يبقى ملتصقا بصورة “النفوذ” ودعم “الدولة”، أو ما كان يدعيه الخصوم من ارتباطات بعض القيادات والأعضاء بـ”تجار المخدرات” والأعمال المشبوهة.. تريد المنصوري أن تجعل من “البام” حزبا عاديا لكن بقاعدة شعبية قوية قادرة على أن تقوده إلى ريادة انتخابات 2026، وبالتالي قيادة الحكومة المقبلة.
مهمة المنصوري حاليا هي تحقيق هدف أساسي، أيا كان أسلوبها الذي يصف البعض بالديكتاتوري أو التحكمي، أو حتى عندما تصف نفسها بكونها ذات شخصية قوية.. عينها الآن على أن تجعل كل عضو بداخل الحزب يفهم بأن صفحة الماضي قد طويت، وبأن “البام” وهو من داخل دائرة “الحكم” لا يمكنه أن يستمر في مواجهة أزمة الصورة أو اهتزاز الثقة لدى المواطنين.. لذلك فهي تريد من الجميع أن “يدخل الصف”، وأن يكون حضوره داخل الحزب “نظيفا”، بعيدا عن أي شبهات قد تجعل التراكتور يعاني مع أعطابه المتكررة.
لكل ذلك، بدأت المنصوري مهمتها أولا بإصدار ميثاق الأخلاقيات، وثانيا بالتدخل بشكل مباشر ودون تردد في فتح بعض الملفات التي قد تفجر لها خلافات داخلية.. أغلقت الباب الذي يأتي منه الريح حتى تدفع بعض من تحوم حولهم الشكوك إلى ضبط النفس وعدم المجازفة بممارسات تسيء إلى الحزب.. وتجعله يؤدي ثمن السمعة السياسية انتصارا للمصالح الشخصية.
اليوم توجد المنصوري أمام امتحان لا يقبل “الراشتاج”.. ومادامت قبلت تسلم “مفاتيح التراكتور” فهي مسؤولة على قيادته إلى “بر الأمان” السياسي، لأن القائد الجيد لا يكفي أن يكون “نزيها” ولكن قادرا على “السياقة” في كل الظروف، وتحدي العقبات والمنعرجات.. فهل ستنجح “ابنة الصالحين” في إدخال التراكتور “المعطوب” إلى “كاراج الإصلاح”؟.. لنتابع!!
المنصوري.. هل تنجح “ابنة الصالحين” في إدخال التراكتور “المعطوب” إلى “كاراج الإصلاح”؟
