للمرة الثانية في أقل من أسبوع، يخرج فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، بتصريحات تجعلنا نطرح سؤالاً عريضاً حول الجدوى من وجود الحكومة وعدد من المؤسسات الدستورية، وأساساً مؤسسات الرقابة.
لقجع قال إن دعم عملية استيراد الأبقار والأغنام، التي كلفت ميزانية الدولة مئات الملايير، كان فاشلاً، ودون أن يكشف لنا من استفاد من هذا الفشل ليصنع ثروات ضخمة. عاد ليقول بوجود أدوية تُستورد منذ عشر سنوات بسعر 10 دراهم، في حين يتم بيعها في المغرب بـ 70 أو 80 درهماً. وطالب بتجنب احتكار السوق من طرف الشركات المصنعة لهذه الأدوية.
هل تحول لقجع لمناضل يساري، أو رئيس جمعية حقوقية، أم لخبير اقتصادي متقاعد ينبه للأعطاب التي هي صناعة حكومية خالصة؟ أم أن هذه التصريحات هي “تبياع للعجل”، ومحاولة للهروب إلى الأمام تماماً كما فعل الرجل في فضيحة تذاكر المونديال التي لا يزال أبطالها يتصدرون المشهد رغم التصريحات العنترية التي صدرت عنه؟
لقجع في ملف الدواء لم يأت بجديد، لأن الدواء والمحروقات في هذا البلد السعيد صارا طريقاً سريعاً لصنع الثروات على حساب شعب بأكمله.
لقد عاينا قبل سنوات المضمون الخطير الذي ورد في تقرير إحدى القنوات الأجنبية، والذي كشف أن المغاربة يتعرضون لعمليات “نصب ونهب واسعة النطاق من خلال بيعهم أدوية بـ 660 درهماً في حين أن ثمنها لا يتجاوز 7 دراهم.
التقرير أكد حينها أن هناك الكثير من الأيادي التي تواصل استنزاف جيوب المغاربة، وخاصة في هذا القطاع الذي جرب الوزير السابق الحسين الوردي الاقتراب من “عش الدبابير” الذي يتكلف بحراسته، قبل أن يخرج بتصريح واضح معلناً وجود “حرب” في مواجهة المجهودات الهادفة إلى تخفيض سعر الأدوية، مضيفاً بأن البعض “لم يعجبه أن يمس في جيبه”، وأن “هؤلاء هم من يقيمون العجاج، لأن الأمر يتعلق بالملايير”.
الوردي حينها اكتفى بالتلميح لأن الأمر يتعلق بمصالح كبيرة لمختبرات تتجاوز الحدود وتتحكم في السوق والسعر، كما تتولى تدبير المناطق الرمادية التي تجعل أسعار لائحة من الأدوية ترهق كاهل المغاربة، لتتحول إلى عائدات مالية طائلة تفسر كيف أن صناعة الدواء تعد ثاني أكبر صناعة مربحة في العالم بعد صناعة السلاح.
لهذا السبب، يبدو أن الحكومات تفضل أن لا تقترب مجدداً من هذه الغابة المظلمة مكتفية بالإعلان عن تخفيضات موسمية متوافق عليها تطال بعض الأدوية، من أجل تسويقها كانجاز للرأي العام، دون أن تكون قادرة على تقديم تفسير للأسعار المنفوخة لبعض الأدوية التي لم تعد مشمولة ببراءة الاختراع، أو تبسط تفسيراً للمفعول المتواضع لعدد من العقاقير والمضادات الحيوية مقارنة مع سعرها المرتفع.
والواقع أن الحكومة الحالية التي يترأسها عراب المحروقات، لن تستطيع حتماً مواجهة لوبي الدواء الذي يشتغل في ظل شبكة جد معقدة ومتداخلة، تجعله يواصل مراكمة المزيد من الأرباح على “ظهر” المغاربة، وعلى عينك يا حكومة. وهنا نفهم تصريح لقجع الذي يرمي بالكرة في ملعب مجلس المنافسة الذي صار بدون أنياب بعد واقعة الكراوي الشهيرة التي جعلت من المجلس مكتب محاماة لصالح شركات المحروقات.
الخلاصة أن أخطر “تحريض” على الفساد المالي هو استمرار الدولة في إغماض العين عن عدد من الملفات التي بددت فيها ملايير الدراهم من أموال المغاربة، ضمن عشرات الصفقات الفاسدة والمطبوخة التي لم نسمع إلى الآن عن أي متورط أو متهم فيها.
وضع يفسر كيف تبخر دعم الخرفان والأبقار، وكيف تحولت صفقات الأدوية بوزارة الصحة إلى منجم ذهب يصنع ثروات عدد من المسؤولين، بعد أن مرت فضيحة صفقة اللقاحات بهدوء وسلام.
لقد كان هناك اعتراف بوجود فساد واختلالات، وشبهات طالت عدداً من الصفقات، كما أن هناك اتهامات مباشرة وجهها البرلماني رشيد حموني لصقور سابقين بالوزارة مفادها تلقي عمولات ورشى لبيع المغاربة أدوية مشكوك في مصداقية المراقبة التي خضعت لها، دون الحديث عن عملية النفخ في الأسعار، والابتزاز الذي جعل عدداً من الشركات المغربية تحزم حقائبها نحو دول أخرى مثل الهند.
والخلاصة أيضاً أن الجميع يتهرب، بل ويتخوف من فتح ملفات الفساد المالي، والنتيجة طبعاً هي أن الفاسدين الكبار سيواصلون نهب ميزانيات بعشرات ملايير الدراهم بكل أمان، في ظل وجود أحزاب وسياسيين يخوضون معركة شرسة داخل البرلمان حتى يبقى لصوص المال العام بعيدين عن السجن، وهي المهمة التي نجح فيها السي وهبي باقتدار.
أخيراً فهمنا لماذا تحدث لقجع بكل هدوء واطمئنان عن تبخر ملايير دعم استيراد الأغنام والأبقار.
“بشحال الحولي”.