عبر عدد من المهنيين في قطاع التجارة بالتقسيط عن مخاوفهم المتزايدة من التوسع الكبير لشركة بيم التركية في المغرب، خاصة في الأحياء الشعبية، في وقت أعلن فيه العملاق التركي بحر الأسبوع، عن استثمار مليار درهم في البلاد على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
وتتضمن هذه الخطوة بناء ثلاث منصات لوجستية جديدة، بالإضافة إلى توسيع شبكة متاجره في مختلف المدن، وهو ما يراه البعض تهديدًا حقيقيًا لوجود المحلات الصغيرة التي ظلت على مدى سنوات تحترك خدمات القرب من خلال متاجرها المتواجدة في الاحياء الشعبية ووسط السكان.
في حي شعبي في مدينة سلا، حيث تحيط المحلات الصغيرة بأزقة ضيقة، يتحدث أحمد، صاحب محل صغير لبيع المواد الغذائية قائلاً “اليوم، أصبحنا نرى المحلات الكبيرة مثل بيم تفتح فروعها لتزاحمنا في الاحياء الشعبية بل وحتى الفقيرة. الأمر ليس فقط في الأسعار التي يبيعون بها، بل في الكم الهائل من البضائع والقدرة على تقديم عروض لا نقدر على منافستها. نحن نبيع لزبائننا وفق هوامش ربح محدودة لكن هذه الشركات تسحب البساط من تحتنا. وتدفعنا نحو الافلاس”
أحمد، مثل العديد من التجار الصغار، يشعر أن التوسع السريع لهذه الشركات سيؤدي في النهاية إلى إغلاق العديد من المحلات الصغيرة، التي كانت وما زالت تشكل جزءًا كبيرًا من النسيج الاقتصادي في الأحياء الشعبية.
“في الحي الذي أعمل فيه، بعض المحلات بدأت تغلق”
نادية، تاجرة أخرى في المدين ةالقديمة بالرباط، تذكر حالة بعض المحلات التي اضطرت لإغلاق أبوابها بعد أن أصبحت لا تستطيع المنافسة “في الحي الذي أعمل فيه، بدأت بعض المحلات تغلق لأن الأسعار التي تقدمها بيم، مع كل هذا التوسع، تجعل من المستحيل على المحلات الصغيرة الاستمرار. نحن لا نملك نفس القدرة على تقديم خصومات أو حتى التفاوض مع الموردين كما تفعل هذه الشركات. إذا استمر هذا الوضع، سنجد أنفسنا خارج السوق.”
“المحلات الصغيرة على وشك الانهيار”
نظيرا لهذه المخاوف، تحدثت فاطمة، التي تدير محلًا صغيرًا لبيع المواد الغذائية في حي شعبي في تمارة، ضواحي الرباط “الناس بدأوا يفضلون الذهاب إلى هذه المحلات الكبيرة بسبب الأسعار الزهيدة. ورغم أننا نعرف زبائننا جيدًا ونتعامل معهم بشكل شخصي، إلا أن القدرة التنافسية لأمثالنا تراجعت بشكل كبير. نحن لا نبحث عن حماية، لكن نريد فقط أن نجد فرصة للمنافسة على قدم المساواة.”
هل تساهم هذه الاستثمارات في انتعاش الاقتصاد المحلي أم تهدد أصحاب المحلات الصغيرة؟
في حين أن مجموعة بيم ترى في استثماراتها فرصة لتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال خلق فرص عمل وزيادة القدرة التنافسية في قطاع التوزيع، يرى البعض أن الحكومة تحتاج إلى سياسة واضحة لحماية المحلات الصغيرة من المنافسة غير المتكافئة. مصدر من الجمعية المغربية لحماية حقوق المستهلك أكد ذلك قائلاً: “نرحب بالاستثمارات الأجنبية، ولكن من المهم أن لا يتحول السوق إلى احتكار من قبل الشركات الكبرى. إذا لم نجد حلاً لحماية التجار الصغار، فإن هذه المحلات الصغيرة التي تعد جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد المحلي ستختفي تدريجياً.”
هل ستنقلب الموازين لصالح الشركات الكبرى؟
ورغم أن الحكومة تروج لهذه الاستثمارات باعتبارها خطوة استراتيجية نحو تحديث قطاع التوزيع وزيادة القدرة التنافسية، إلا أن التساؤلات تظل قائمة حول كيفية إيجاد التوازن بين تشجيع الاستثمارات وحماية مصالح التجار المحليين. ومع التوسع المستمر لشركات مثل “بيم”، يتساءل الكثيرون: هل ستتمكن الحكومة من فرض قوانين تحمي المحلات الصغيرة من الانهيار، أم أن هذه المحلات ستجد نفسها خارج دائرة المنافسة تمامًا؟
وتعتبر شركة بيم واحدة من أكبر الشركات التركية التي دخلت إلى السوق المغربية في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، حيث بدأت في التوسع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. ورغم العائدات الاقتصادية التي تحققها هذه الاستثمارات من خلال خلق فرص عمل وتعزيز قطاع التوزيع، فإن هذه الحركة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط التجارية المحلية. يرى البعض أن التوسع السريع لهذه الشركات قد يؤدي إلى القضاء على محلات صغيرة كانت تساهم بشكل كبير في توفير خدمات يومية للمواطنين، وبالتالي فإن الحفاظ على التوازن بين جذب الاستثمارات وحماية الاقتصاد المحلي يبقى تحديًا قائمًا أمام حكومة عزيز أخنوش في المرحلة المقبلة.