في كل عملية انتخابية يعرفها المغرب تطل ماكينة الفساد، والإفساد، برأسها لتفرض للمنخرطين فيها مكانا في دائرة التنافس، وتتمكن من حصد آلاف الأصوات التي تعبد الطريق لمرشحين وجدوا في المال القذر طريقا سهلا للوصول إلى مناصب المسؤولية، أو الحصول على صفة برلماني.
ورغم أن الدولة ، من خلال وزارة الداخلية تحاول في كل مرة منح صك البراءة لمجمل الاستحقاقات بالحديث عن “حالات معزولة”، لمسح الصورة القاتمة التي رافقت تاريخ العمليات الانتخابية، بشكل جعل مؤشر النزاهة العالمي يضع المغرب في مراتب متأخرة فيما يتعلق بشفافية الانتخابات، والتمويل السياسي ، إلا أن التخوفات، والاتهامات بحدوث فساد انتخابي، وإنزال للأموال وشراء للذمم تبقى واقعا و فزاعة حقيقية للديمقراطية، وضربة قوية للتنافس الشريف، بعد أن فشلت جميع التدابير المعلنة في لجم مثل هذه الممارسات التي تحولت إلى عرف انتخابي سواء بقاسم انتخابي أو بدونه.
اليوم ومع فضيحة اسكوبار الصحراء، وتوالي ملفات البرلمانيين، تجددت المطالب بوضع حد للاتجار في التزكيات، وإغلاق الباب في وجه المشبوهين، و أصحاب السوابق، و ذوي السجلات السوداء، ممن صدرت في حقهم عقوبات سابقة، أو تقارير سوداء لا زالت في الثلاجة، أو حلوا ضيوفا على غرف التحقيق في ملفات لها ارتباط بجرائم الأموال، واستغلال النفوذ، وتضارب المصالح.
هذا الأمر يواجه صعوبات وثغرات قانونية، و اكراهات أخرى مرتبطة بطبيعة التزكيات، و ببنية الأحزاب في حد ذاتها رغم الدعوة لميثاق أخلاقي جديد، علما أن تجربة مماثلة بقيت بدون مفعول.
من جهة أخرى فإن الرهان على صرامة حزبية في توزيع التزكيات يعيد للواجهة التشخيص الذي كانت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة قد أعدته حول نواقص مكافحة الفساد السياسي بالمغرب، والذي نبه إلى أن المغرب لازال أمامه الكثير للوصول إلى إجراء محطات انتخابية أكثر شفافية ومصداقية رغم وجود بعض التحسن.
التشخيص خلص إلى نقطة في غاية الأهمية بعد أن أكد وجود مسؤولية مشتركة بنسب متفاوتة بين الأحزاب والمترشحين باسمها، والسلطة وممثليها، والمواطنين باعتبارهم ناخبين ووسطاء أحيانا.
من جهة أخرى فإن الفساد الانتخابي لا يمر عبر صناديق الاقتراع فقط، بل ينطلق مبكرا من حروب التزكيات التي تشهدها بعض الأحزاب من طرف بعض مناضليها الطارئين، ممن يرغبون في الحصول على “مأذونية” برلماني لأغراض خاصة ، وهو أمر كان محصورا على بعض الهيئات السياسية قبل تنتقل عدواه إلى أحزاب كانت تحظى بالاحترام بعد أن أسقطت بدورها “الفيتو” الذي كانت ترفعه في وجه أصحاب الشكارة قبل عقدين من الزمن، .
ورغم أن الانتخابات الجماعية و الجهوية الماضية عرفت إحالة ملفات عدد من المشتبه فيهم بالفساد الانتخابي إلا أن هذه السوابق اعتبرها البعض مجرد فرقعة إعلامية أدت مفعولها لوقت قصير، قبل أن تنفجر فقاعة الصابون التي رافقتها مع صدور قرارات بحفظ المتابعة في حق عدد ممن تم التشهير بهم علانية، في حين تم تقزيم المتابعة في حق آخرين، الأمر الذي جعل عدة علامات استفهام تطرح حول الخلفيات الحقيقية لإصدار بلاغ تم بث مضمونه في وسال إعلام رسمية، قبل أن يتم طي هذه الصفحة، علما أن الأمر كان يتعلق بناخبين كبار تم وضع هواتفهم تحت مسطرة التصنت قبل أن يتم حصد عدد منهم وإحالتهم للتحقيق.
هذه الطريقة التي اعتمدت مع الناخبين الكبار ورغم أنها شكلت في بدايتها مفاجأة مدوية خلقت انطباعا بأن يدا من حديد ستلاحق الفساد الانتخابي في جميع تمظهراته، إلا أن الواقع كشف بأنها غير مجدية أو ذات مفعول ضعيف في الانتخابات التشريعية الماضية التي شهدت نشاطا محموما لسماسرة الأصوات و”الشناقة”.
وفي انتظار الآليات التي سيتم تفعيلها لمحاصرة مفسدي الانتخابات فإن الثابت أن آلية الفساد الانتخابي تطورت، وتشعبت، علما أن بعض الممارسات أصبحت عرفا جاري العمل به بعد أن تم التطبيع معها من طرف بعض المرشحين الذين لا ينتظرون توقيت الحملة، بل يشرعون مبكرا في نشاطهم “الخيري” بحضور الجنائز، والتكفل بمصاريفها وتغطية نفقات العقيقة، والختان وجميع المصائب الطارئة التي تلحق بسكان دوائرهم الانتخابية.