“اندماج المواطنين الشباب من أصول أجنبية صار قضية مصيرية في فرنسا والتي يجب أن تحظى بالأولوية في سياسات ميشيل بارنييه..”
“لا يمكن تحقيق الاندماج الحقيقي للفرنسيين ذوي الأصول الأجنبية في المجتمع الفرنسي دون مراعاة وتقدير لهوياتهم الثقافية الأصلية”
بينما تتركز الأنظار الإعلامية والسياسية على رئيس الوزراء الجديد ميشيل بارنييه وتشكيل حكومته المستقبلية، مرت معلومة تحمل العديد من الدروس تحت رادار الأحداث هذا الأسبوع؛ فقد قامت الجزائر بترحيل ما يقرب من 20 ألف مهاجر نحو النيجر منذ شهر يناير.
كان هذا عنوان تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية بتاريخ الثاني من شتنبر، مستندًا إلى إحصاءات منظمة محلية تدعى “إنذار هاتف الصحراء”، التي تدين منذ أشهر الظروف القاسية التي يجري فيها هذا الترحيل.
يتم ترك المهاجرين المطرودين في معظم الأحيان إلى حال سبيلهم في صحراء أساماكا قبل أن يتمكنوا، إذا كانت لديهم القوة الكافية، من الوصول إلى مركز العبور التابع لمنظمة الهجرة الدولية (IOM).
هذه الحالة، التي أقل ما توصف به كونها “مأساوية”، لا تلقى مع ذلك إدانات قوية من المنظمات الإنسانية الأوروبية، ولا سيما الفرنسية، التي تكون دائمًا سباقة في إدانة خيارات الحكومات الغربية في ما يخص الهجرة.
وقد تفاعلت منظمة “يوتوبيا 56” مع حادثة غرق سفينة مؤخرًا قبالة رأس جريس-نيز، أحد أقرب النقاط من السواحل البريطانية على الساحل الفرنسي، حيث أدانت ثلاثين عامًا من “السياسات القمعية”، مضيفة أن “بسبب الغرور وعدم الكفاءة، يجب أن تتحمل وزارة الداخلية وجيرالد دارمانان المسؤولية بلا شك.”
وماذا نقول عن المسؤوليات المتعلقة بوضع المهاجرين من دول جنوب الصحراء الكبرى الذين يتم طردهم بالقوة من دول جنوب البحر الأبيض المتوسط؟ لا شيء. صمت مطبق.. انتهى الإرسال هنا.
سيستمر ويتزايد طرد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى من قبل دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، كما يحدث اليوم، ويجب على المنظمات الإنسانية الغربية الخروج عن صمتها ورفع الغشاوة عن أعينها لإدانة عواقب هذه الهجرات من الجنوب إلى الجنوب والطرق المستخدمة لتجفيف مثل هذه التدفقات.
هل هو حب كاذب؟
إذا كان يجب إدانة العنف الذي يتعرض له المهاجرون في دول المغرب العربي وخطابات الكراهية التي تنجم عنه، فإن ذلك لا يعني تجاهل حق هذه الدول في الحفاظ على هويتها وثقافتها.
على عكس الدول الأوروبية، تسعى دول الجنوب إلى الحفاظ على التوازن الثقافي المجتمعي وتقديس نموذجها.
هذا الهدف، الذي لا يبرر بالطبع أي معاملة سيئة تجاه المهاجرين من دول جنوب الصحراء الكبرى، لا يزال من المحرمات الغربية.
لقد تم تفكيك مفهوم الاندماج، الذي كان في السابق قيمة يسارية قبل أن يتم استغلاله خلال فترة الاستعمار، خاصة في فرنسا، بحيث أصبح الآن الشعور بالارتباط بالجذور يسحق الانتماء إلى بلد الاستقبال. كيف يمكن في ظل هذه الظروف تقليص الفجوة التي تتسع بين الجنسية والهوية؟
عدد كبير من الشباب من أصول مهاجرة، رغم أنهم من الجيل الثالث أو الرابع ويحملون الجنسية الفرنسية، لا يشعرون بشيء سوى رفض عميق للبلد الذي ولدوا ونشأوا فيه. تم تجنيسهم لكنهم غير مدمجين ثقافيًا. كان قرار إزالة مفهوم الاندماج منهجيًا من قبل مناهضي العنصرية الجدد خطأً قاتلاً.
ببطء ولكن بثبات، تمكنوا من إقناع المجتمع بأن الاندماج يعني محو أصول الوافد الجديد تمامًا، في حين أن التعريف الأساسي للاندماج يتمثل في مشاركة العادات والقواعد الثقافية لبلد الاستقبال.
وهكذا، انتقلنا من مفهوم يهدف إلى الشمولية إلى تعريف ضيق يتسم برهاب الأجانب. كيف وصلنا إلى هنا؟
أود أن أشدد على أن أشد المعارضين للاندماج في التاريخ كانوا أكثر العنصريين، مثل جورج فاشر دو لابوج وأرثر دو غوبينو. هؤلاء الذين يدعمون تسلسل الهرمية بين البشر لم يقبلوا أن يتمكن الأجنبي غير الأوروبي من التجذر يوماً ما في المجتمعات الأوروبية المستقبلة ومشاركة عاداتها وقواعدها الثقافية.
بعد أكثر من قرن، تم تحريف مفهوم الاندماج بالكامل، واليوم يُنظر إلى المدافعين عن هذا المفهوم على أنهم رجعيون بغيضون.
ومع ذلك، أصبح مشروع الاندماج أكثر ضرورة من أي وقت مضى. بدون هذا المشروع، لا يوجد خلاص للدول التي تواجه تدفقات هجرة كبيرة.
تبقى إذًا مسألة واحدة، وهي ليست بالأمر الهين. إلى ماذا يُشبَّه تحديدًا مئات الآلاف، بل وحتى الملايين من الأفراد؟ ماذا تقدم فرنسا من حيث أبطالها، أمجادها، وعواطفها؟ ومشاعرها؟ هل يمكن لبلد لم يعد يحب نفسه أن يمنح الحب وأن يكون محبوبًا؟ كيف يمكن أن تكون مرغوبًا عندما لا تشعر بأنك مرغوب وأنت تنظر إلى نفسك في المرآة؟ صارت فرنسا تبدو محزنة أكثر مما تبدو جذابة. ألم يحن الوقت المناسب لتغيير مسار الأمور لإعادة إحياء شعب محب، سواء كان سكانه من هنا أو من هناك؟
لتحقيق ذلك، يعتبر الاندماج ضرورة حيوية.
وفي هذا المجال، فإن مهمة رئيس الوزراء الجديد جسيمة. سيحتاج إلى جرعة كبيرة من الشجاعة وعدم الاكتفاء بالسعي إلى تحقيق التوافق الناعم. ليس من المؤكد أن ميشيل بارنييه سيسلك هذا الطريق الصعب.
عن “le journal du dimanche”