تفتقت “عبقرية” مهندس معماري لتهدم تاريخ قلب الرباط. وصلت أشكال متشكلة من حديد، تم تطويعه بالنار والقوالب، لتمس مدينة وعاصمة وتاريخا في قلبها النابض. تم صرف الأموال بكثير من السخاء وقبول التكلفة الجبارة لتطوير خدمات محطة قطار عاصمة المملكة. وقال مؤرخو وحماة تراث وطني وعالمي، هو إرث إنساني مشترك، أن ما تم صرفه من الأموال لا يتوافق مع التزامات المملكة المغربية في مجال الحفاظ على الثراث الذي يميز عاصمة ذات رأسمال تاريخي كبير. وحدث، ما حدث بعد طول إنتظار، أن تم اتخاذ القرار، باسم الحكمة والثقافة، لإرجاع الأمور إلى نصابها.
انطلقت أشغال بناء محطة القطار من جديد في وسط الرباط. ولا يمكن أن نتشاءم بسبب نزع اطنان الحديد من خلف سور موحدي وواجهة ظلت لعقود، سكن في وجدان من استوطنوا عاصمة المغرب منذ قرون، أو من احتضنتهم منذ عقود أو سنوات. الرباط عاصمة استولت على عقول وقلوب السياسيين والمثقفين والسياسيين والمعتقلين وقيادات الأحزاب، وعلى الطلبة والمعطلين والمحبين للجمال والعاشقين للبحر. تم تفكيك بناء حديدي قبيح المنظر وبدأ العمل لإعادة الحق في رؤية الجمال المعماري المغربي. غابت اطنان من الحديد عن وسط الرباط بعد أن كلف تركيبها عشرات ملايين الدراهم.
قبل أن تصبح الرباط عاصمة لمملكة وحدت المغرب، كانت مركز اهتمام الإمبراطوريات التي كتبت تاريخ هذا التراب الذي امتد من الأندلس إلى نهر السنغال. تومبوكتو شاهدة على قوة إمبراطورية نشأت في الصحراء مع المرابطين، وتمكنت من أدوات البناء مع الموحدين، وجعلت حدودها في شمال أفريقيا رغم أنف العثمانيين وغدر المستعمر الفرنسي.
نرجع إلى محطة القطار الجميلة التي تسكن قلب الرباط للبدئ في التعليق على صورة التقطتها من نافذة القطار. تستمر أشغال تفكيك أجزاء كثيرة من الهيكل الحديدي الذي كاد أن يعتقل الذاكرة التاريخية لمركز الرباط. ووجب ان يتم التذكير بأن القرار في مجال التعمير والعمران يجب أن يكون بيد المؤرخ المثقف والمهندس المعماري المسكون بـ”تمغريبيت”.
بناء مدن المغرب خضع منذ قرون لحكمة العلماء والمؤرخين ولتجربة أصحاب المهن. تذكروا يا ممتهني مهنة الهندسة المعمارية، بتنكر لرأسمال المغرب، كيف تم بناء مسجد الحسن الثاني. تذكروا ذلك الحوار بين الراحل الحسن الثاني والراحلون من ” المعلمين ” في مجالات النقش على الجبس والخشب وفناني الزليج والنحاس، خلال زياراته لورش البناء. كان ذلك الحوار جديا ومنفتحا على آراء من تعلموا صنع الجمال بالفطرة أولا وبالعمل المضني والمنظم ثانيا، وبالإخلاص للمهنة وقيم الفن المعماري ثالثا.
مناسبة هذا الكلام مرور القطار بين محطة عين السبع ومحطة البيضاء المسافرين. اطنان من حديد، مصدرها ورش محطة الرباط المدينة، تخزن في مساحات كبيرة. ويظل السؤال حول حجم الخسائر التي تكبدتها المالية العمومية من جراء أخطاء في التصميم وفي التعامل مع ورش كبير. اطنان الحديد قد تباع لمعامل التذويب أو قد تحتل لزمن طويل مساحات كبيرة من الأراضي التابعة للملك العمومي السككي. يتمنى كل مواطن أن يتم تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة فقط لا غير.
محطة قطار الرباط.. ضاع الاستثمار من أجل الأفضل
بواسطة إدريس الأندلسي