الكثيرون صدموا بفيديو المسن وهو يرمي بطفلة في الهواء، وبعده بساعات جاء خبر قتل رضيعة بعد تعذيبها كيًا بالنار، وقبله فيديوهات بالجملة توثق لمعارك الكواسر بعدد من المدن، دون أن يُطرح أي سؤال: إلى أين نسير بكل هذه العدوانية؟
الجميع يتذكر فيديو “الطوبيس” الذي خلق فضيحة عالمية للبلد، وفضحنا كمجتمع أناني، وسلبي، وغارق في العدوانية. قبلها، قام بعض المنحرفين الصغار بإصدار إنتاج جديد يوثق لمحاولة اغتصاب بشعة، وهو أمر كان يفرض علينا حينها أن نعترف بأننا صرنا نحفر في القاع، وأننا أفلسنا كمجتمع.
من غير المجدي أن نبالغ في مشاعر الصدمة والتنديد في كل مرة نواجه فيها مثل هذه الجرائم الموثقة، وأن نقيم الدنيا من أجلها قبل أن نخلد للراحة في انتظار فيديو جديد. لأننا سنغرق حينها في المزيد من حالة الفصام التي ستزيد الوضع استفحالاً.
مخطئ من يعتقد أن القطع مع مثل هذه الجرائم والسلوكيات الحيوانية سينتهي بإلقاء القبض على المتورطين، وإدانتهم بالسجن، لأن الأرقام الرسمية تكشف أننا بتنا أمام إعادة تدوير للجريمة، بعد أن أصبح إلحاق الأذى بالآخرين أو ترويعهم وتخريب الممتلكات العامة بطولة، ومدعاة تفاخر.
نحن نعاني من عطب عميق نرفض الاقتراب منه، والاعتراف به، كما نتفادى طرح الأسئلة الحقيقية التي قادت إليه. وهو ما يشرح لنا كيف استسلمنا لحالة تواطؤ جماعي نغذيها بالصمت أو بالضجيج العابر، وكيف أنتجنا فعلاً جيلاً من الضباع، ومن العينات البشرية التي نتفادها في الشوارع، كما تتفادى هي الاحتكاك بنا. لذا نضطر للتعايش بكثير من الحذر.
من يقوم بجولة عابرة في غرف الجنايات سيقف على حقيقة التعفن الاجتماعي الذي وصلنا إليه، والذي يترجم في مئات الملفات المرتبطة بالاغتصاب والاختطاف والاحتجاز وهتك العرض، وأيضًا آلاف أخرى من ملفات تخريب الممتلكات والضرب والجرح والتشويه العمدي بالسلاح الأبيض. وهي جرائم تقع يوميًا وبشكل عبثي يعكس أن انهيار القيم خلق حالة فراغ سارع العنف والسلوك التخريبي والإجرامي لملئها لدى شريحة واسعة من اليافعين والمراهقين، ممن باتت السجون تضيق بهم.
المشاهد التي تنفلت من فيديوهات الهواتف النقالة تساءلنا جميعًا، لأنها عرتنا كمجتمع مريض، ومصاب بالكثير من العقد التي نخفيها في كل مرة بعبارات الشجب والتنديد… في انتظار فيديو جديد، في فرجة صارت متعة بالنسبة للكثيرين…؟