دخلت حيز التنفيذ من 30 دجنبر الماضي، في المغرب إجراءات جديدة تفرض التأمين الإجباري على جميع المشاريع العقارية، في خطوة تهدف إلى تنظيم القطاع وضمان حماية قانونية أكبر للمستثمرين والعمال والمستهلكين. القرار، الذي أُعلن عنه عبر مرسومين وزاريين، يلزم جميع الفاعلين في قطاع البناء بالاشتراك في تأمين “جميع المخاطر chantier” وتأمين “المسؤولية المدنية العشرية”، مع ربط تسليم رخص السكن أو شهادة المطابقة بتقديم شهادة تأمين سارية المفعول.
وتؤكد مصادر مهنية من قطاع البناء أن هذه الإجراءات ستساهم في الحد من المخاطر التي تهدد استقرار المباني، وستفرض على جميع الفاعلين الالتزام بمعايير أكثر صرامة، مما قد يؤدي إلى تحسين جودة المشاريع العقارية. غير أن العديد من المقاولين، خاصة الصغار منهم، يرون أن فرض هذه التأمينات دون تقديم حلول مصاحبة، مثل تسهيلات في الأداء أو دعم مالي، قد يزيد من الضغوط المالية عليهم.
حماية المشاريع أم عبء إضافي؟
يهدف فرض التأمين الإجباري إلى توفير ضمانات مالية وتقنية ضد المخاطر التي قد تؤثر على استقرار المباني، مثل الانهيارات أو العيوب الهيكلية أو الأضرار الناتجة عن مواد بناء غير مطابقة. كما يسعى إلى تحميل المهنيين مسؤوليات واضحة وإلزامهم باتباع معايير صارمة في التصميم والتنفيذ، بما يحد من العشوائية والمخاطر المستقبلية.
وفي هذا السياق، أكد منعش عقاري فضل عدم الكشف عن هويته أن “فرض التأمينات الجديدة قد يكون إيجابيًا من حيث ضبط القطاع، لكنه سيؤثر مباشرة على تكلفة المشاريع، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات وتحمل المستهلك النهائي عبء هذه الزيادة”.
تأثير على سوق العقار والمقاولات الصغرى
مع دخول القرار حيز التنفيذ، سيواجه الفاعلون في القطاع تحديات عدة، أبرزها القدرة على الالتزام بهذه المتطلبات دون زيادة حادة في تكاليف البناء. وتوضح مصادر مقربة من الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين أن “المقاولات الصغرى والمتوسطة قد تجد صعوبة في تحمل أعباء التأمينات الإضافية، مما قد يدفع البعض منها إلى العمل خارج الأطر القانونية، أو اللجوء إلى حلول غير رسمية للالتفاف على هذه المتطلبات”.
من جهة أخرى، يرى خبير في سوق العقار أن “فرض التأمين الإجباري على جميع المشاريع العقارية، بما فيها السكنية والتجارية والصناعية، قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد العقاري، إذ سيضطر المستثمرون إلى تضمين هذه التكاليف ضمن ميزانياتهم، وهو ما قد يؤثر على دينامية السوق العقارية في ظل تراجع الطلب وارتفاع تكاليف التمويل”.
جاهزية سوق التأمين لتلبية الطلب الجديد
إلى جانب التحديات المالية، يطرح القرار سؤالًا جوهريًا حول مدى جاهزية شركات التأمين لاستيعاب هذا التحول. وفي هذا السياق، أكد مسؤول بشركة تأمين رائدة أن “هناك ارتفاعًا متزايدًا في طلبات التأمين الجديدة، مما قد يشكل ضغطًا على القطاع في الأشهر المقبلة”. وأضاف أن “التحدي الأكبر هو ضمان تسعير عادل لهذه التأمينات، بحيث لا تصبح عبئًا غير مبرر على المقاولين والمستثمرين”.
تحدي التطبيق والمراقبة
يبقى التحدي الأكبر هو مراقبة التطبيق الفعلي لهذه الإجراءات. فبينما تؤكد هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (ACAPS) أنها ستسهر على احترام هذه المقتضيات، فإن القدرة على فرض رقابة صارمة على آلاف المشاريع قيد الإنشاء تظل موضع تساؤل.
وفي هذا السياق، أشار مهندس معماري إلى أن “ربط تسليم رخص السكن أو شهادة المطابقة بشهادة التأمين قد يخلق تعقيدات إدارية جديدة، مما قد يؤدي إلى تأخيرات غير مبررة في إنجاز المشاريع”.
بين التنظيم والآثار الجانبية
لا شك أن فرض التأمين الإجباري في قطاع البناء يشكل خطوة نحو ضبط السوق والحد من المخاطر التي تهدد استقرار المنشآت، لكنه في المقابل يفرض تحديات مالية وتنظيمية على المهنيين والمستهلكين. وبينما يعتبر البعض أن القرار ضروري لحماية السوق من الفوضى وضمان جودة المشاريع، يرى آخرون أنه قد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وربما خلق بيئة غير مواتية لصغار المقاولين.
يبقى نجاح هذه الإجراءات مرهونًا بقدرة السلطات على ضمان تطبيقها بشكل عادل وشفاف، مع تقديم تسهيلات تساعد المقاولات الصغرى والمتوسطة على الامتثال لها دون أن تتحول إلى عبء إضافي يثقل كاهل القطاع العقاري بالمغرب.