بالتزامن مع إعلان الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة “ترانسبارنسي المغرب” تجميد عضويتها في اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، سلط حوار أجرته مجلة “تشالنج” الناطقة بالفرنسية مع أحمد البرنوصي، الكاتب العام بالنيابة للجمعية، الضوء على تفشي الفساد في المغرب وتحوله إلى ظاهرة منهجية تمس مختلف القطاعات.
وأكد البرنوصي في هذا الحوار أن الفساد في المغرب أصبح مستشريًا منذ سنوات، ويشمل جميع المجالات الاقتصادية والإدارية، سواء في القطاعين العام أو الخاص.
وأوضح أن المؤشرات الدولية، مثل تلك الصادرة عن منظمة “ترانسبارنسي إنترناشيونال”، إلى جانب التقارير الوطنية الصادرة عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها (INPPLC)، تثبت مدى تفاقم هذه الظاهرة وتأثيرها على التنمية.
وأشار البرنوصي إلى أن تقريرًا للهيئة الوطنية للنزاهة، صادر سنة 2022، كشف أن قطاع الصحة هو الأكثر تأثرًا بالفساد، يليه الأحزاب السياسية، الحكومة، البرلمان، والنقابات. كما أن الرشوة منتشرة في مجالات التوظيف، التعيينات، والتطور المهني في القطاع العام، بالإضافة إلى استفحالها في منح الرخص والامتيازات والإعانات الاجتماعية. وأبرز أن 25% من المواطنين المغاربة تعرضوا للرشوة، حيث تتركز هذه الظاهرة في قطاعات الأمن، النقل، الشرطة، الصحة العمومية، العدل، التعمير، السكن والعقار، إضافة إلى القيادات والباشويات.
وعلى مستوى الأعمال، أظهرت دراسة ميدانية أن 68% من أرباب الشركات يعتقدون أن الفساد متفشٍ بشكل واسع في المغرب، خاصة في منح الصفقات العمومية، التراخيص، والتوظيف في القطاع الخاص. وحسب تقديرات البنك الدولي، يتسبب الفساد في خسارة المغرب ما بين 3 إلى 5% من ناتجه الداخلي الخام، أي ما يعادل حوالي 50 مليار درهم سنويًا، ما يؤدي إلى تردي جودة الخدمات العمومية، خاصة في الصحة والتعليم.
وعن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، التي تم تبنيها رسميًا في دجنبر 2015، قال البرنوصي إن غياب الإرادة السياسية أدى إلى تجميدها فعليًا، حيث لم تنعقد اللجنة الوطنية المكلفة بتتبع تنفيذها سوى مرتين في غضون ثماني سنوات، رغم أن مرسوم تأسيسها ينص على انعقادها مرتين سنويًا على الأقل. وأضاف أن تقييم الهيئة الوطنية للنزاهة لهذه الاستراتيجية في تقريريها لسنتي 2022 و2023 كان “متباينًا”، مشيرًا إلى أن تبني قانون الحق في الحصول على المعلومات سنة 2018 ساهم مؤقتًا في تحسين تصنيف المغرب في مؤشر إدراك الفساد، إذ حصل على 43 نقطة من أصل 100 واحتل المرتبة 73 عالميًا، لكنه عاد للتراجع لاحقًا، ليحصل على 38 نقطة ويهبط إلى المركز 97 عالميًا سنة 2023.
أما عن دور “ترانسبارنسي المغرب”، فقد أوضح البرنوصي أن الجمعية عملت منذ تأسيسها سنة 1996 في ظروف سياسية صعبة، على الترافع من أجل سن قوانين مكافحة الفساد، بما في ذلك الضغط من أجل مصادقة المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2007. كما شاركت في حملات الترافع من أجل تكريس الحق في الحصول على المعلومات منذ سنة 2006. لكنه أكد أن الإطار العام لا يزال غير مواتٍ لعمل جمعيات المجتمع المدني، في ظل تقييد حرية تأسيس الجمعيات، وتقييد تجديد هياكلها، فضلًا عن التضييق على الصحافة والإعلام.
وفي سياق متصل، حذّر البرنوصي من مشروع القانون الجنائي الجديد الذي قدمته الحكومة إلى البرلمان، معتبرًا أن بعض مواده تمثل تراجعًا خطيرًا في مجال محاربة الفساد، خاصة المادتين 3 و7، اللتين تحدان من إمكانية متابعة الجرائم المالية التي تمس المال العام، في تعارض واضح مع دستور 2011 والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
وفي ختام الحوار، أشار البرنوصي إلى أن “ترانسبارنسي المغرب” سبق أن وجهت في 4 فبراير 2022 مذكرة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، دعت فيها إلى تنفيذ الالتزامات الحكومية في مجال محاربة الفساد. ووضعت الجمعية خارطة طريق تشمل إصدار قوانين لتجريم الإثراء غير المشروع، ضبط تضارب المصالح، تعزيز حماية المبلغين عن الفساد، وإصلاح منظومة التصريح بالممتلكات.
لكن في ظل ما وصفه البرنوصي بـ”غياب الإرادة السياسية”، وتزايد التضييقات على عمل منظمات المجتمع المدني، يظل مسار محاربة الفساد في المغرب محفوفًا بالعراقيل، ما يدفع بالجمعية إلى مراجعة دورها وعلاقتها بالهيئات الرسمية، كما تجلى في قرارها الأخير بتجميد عضويتها داخل اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد.