سلطت مجلة “جون أفريك” الفرنسية الواسعة الانتشار الضوع على ما سمتها “العلاقات المضطربة” بين المغرب ومنظمة الاتحاد الإفريقي، لاسيما في صيغتها القديمة، بعدما قررت الرباط مغادرة مقعدها في المقر بأديس آبابا، بسبب قبول التنظيم القاري عضوية البوليساريو، قبل ان تقرر المملكة العودة سنة 2017 إلى المنظمة التي أصبحت تحمل اسم “الاتحاد الإفريقي”.
وفي المقال الطويل الذي حمل عنوان “المغرب والاتحاد الإفريقي.. مسرحية من عدة فصول”، انطلق كاتب مقال “جون أفريك” من 1 فبراير 2024، بمناسبة تولي المغرب رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، ليكون ذلك “فرصة لإلقاء نظرة على تاريخ العلاقات المضطربة أحيانًا بين المملكة ومنظمة الوحدة الأفريقية”.
ويورد المقال أن المغرب الذي حصل على استقلاله في عام 1956، وبعد سبع سنوات، كان واحداً من 32 دولة وقعت على ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية. وترأس وفد المملكة الشريفة آنذاك الملك الحسن الثاني ابن محمد الخامس السلطان -الملك آنذاك- الذي قاد البلاد إلى الاستقلال.
النظام الملكي العلوي كان ما زال يحاول الوقوف على قدميه في تلك الحقبة، والعروبة والإفريقية والإسلام على جدول الأعمال، والعضوية في منظمة الوحدة الإفريقية تحقق منطق الهوية الذي كان سائدا في ذلك الوقت. وهذا ما يتحدث عنه الدستور الأول للمغرب، الذي صدر قبل عام، في مادته الأولى: “المملكة المغربية، دولة إسلامية ذات سيادة، لغتها الرسمية هي العربية، تشكل جزءا من المغرب الكبير. وهي دولة إفريقية تضع لنفسها أيضا، أحد أهدافها، تحقيق الوحدة الأفريقية”، لقد تم إطلاق الشعار.
“إفريقية” المغرب!
لقد كان الحسن الثاني يعتبر هذه “الإفريقية” بمثابة قرة عينه، ألم يعلن في خطاب ألقاه عام 1976 أن “المغرب يشبه شجرة تمتد جذورها المُغذية في أعماق الأرض الإفريقية وتتنفس بحفيف أوراقها في رياح أوروبا”؟ والإطار محدد سلفا: المملكة هي جسر بين إفريقيا وأوروبا. وعلاوة على ذلك، فهي ليست الدولة العربية الإسلامية الوحيدة التي انضمت إلى منظمة الوحدة الأفريقية منذ تأسيسها؛ فهناك الجزائر، المستقلة حديثا، وأيضا مصر وتونس وموريتانيا كلها دول شقيقة استجابت للدعوة الإفريقية.
ومع ذلك، قررت المملكة المغربية، في عام 1984، أن تغلق باب منظمة الوحدة الإفريقية بقوة. وما يبدو وكأنه حركة متهورة هو في الواقع ليس كذلك على الإطلاق؛ فَبَين الرباط والمنظمة القارية، مناطق تماس موجودة منذ البداية، وهناك حالة موريتانيا على وجه الخصوص، تقول “جون أفريك”.
وكان المغرب وقتها يعتبر موريتانيا جزءا من ترابه الوطني. وبالتالي فإن انضمام البلاد إلى منظمة الوحدة الإفريقية سيجعل الكثير من الناس يتوجسون في الرباط. وهناك مصدر آخر أيضا للتوتر وهو “مجموعة الدار البيضاء”، الاتحاد الذي تم إنشاؤه في يناير 1961، وكان ينافس “مجموعة مونروفيا”، في التفكير الذي أدى إلى إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية. ولكن على الرغم من أن المجموعتين تتقاسمان أهدافاً مشتركة ــ الاستقلال، والوحدة الأفريقية، وما إلى ذلك ــ إلا أنه كانت لهما أيضاً وجهات نظر مختلفة حول موضوعات معينة، وقد تركت المناقشات بصماتها.
وفي يوليوز 1979، في قمة منظمة الوحدة الإفريقية التي عقدت في العاصمة الليبيرية مونروفيا، اعتلى الملك الحسن الثاني المنبر ليعلن اعتراضاته، وقال منزعجا: “ما يحدث في منظمة الوحدة الإفريقية منذ سنوات هو مؤتمرات “طام طام” (نوع من الدف) (..)، مؤتمرات رقص “سانت فيتوس” (..). يجب أن أبتعد عن هذه البالوعة لأعيد تشكيل إفريقيا”.
وبعد خمس سنوات، وقع الطلاق، حيث إن قبول ما تسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” (البوليساريو) كعضو في منظمة الوحدة الإفريقية كان هو القشة التي قصمت ظهر البعير، في حين كان مقاتلو جبهة البوليساريو يشتبكون بشكل دوري مع القوات المغربية منذ عام 1975.
الانفصال عن منظمة الوحدة الإفريقية عام 1984
خلال القمة العشرين للمنظمة، التي انعقدت في 12 نونبر 1984 بأديس أبابا، أعلن مستشار الملك رضا كديرة “الناطق الرسمي” باسم العاهل المغربي: “هذا هو الوقت المناسب لانفصالنا.. بينما ننتظر أيامًا أكثر حكمة، نتركُكم. لكن الإفريقي هو المغرب، والإفريقي سيبقى كذلك”.
ومنذ عدة سنوات، كانت الرباط تعمل على تأخير وصول البوليساريو إلى داخل التنظيم القاري. وبعد فشلها في منع ذلك، بدا أن المملكة، تقلب الصفحة وتتطلع نحو آفاق أخرى، لبعض الوقت. وفي يونيو 1984، طلبت رسميًا العضوية في المجموعة الاقتصادية الأوروبية (EEC)، المجموعة التي خلفها الاتحاد الأوروبي الحالي. واتجهت أنظار المغرب نحو البحر الأبيض المتوسط وجيرانه الشماليين. لكن الطلب قوبل بالرفض من قبل الأوروبيين بعد ثلاث سنوات.
ويضيف كاتب مقال “جون أفريك” أنه تعين علينا انتظار ثلاثة وثلاثين عاما قبل أن يعود المغرب إلى المنظمة القارية التي أصبح اسمها “الاتحاد الإفريقي”، وهو التغيير الذي حدث في عام 1999 بالتوقيع على إعلان سرت (ليبيا). بالنسبة للدول الأعضاء، كانت منظمة الوحدة الإفريقية قد واكبت زمنها وتغيرت القضايا. وأعقب مناهضةَ الاستعمار والنضالَ ضد الميز العنصري انفتاحُ إفريقيا على العالم، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز الحريات… وفي عام 2002، في ديربان، بجنوب أفريقيا، حل الاتحاد الإفريقي محل منظمة الوحدة الإفريقية رسميا.
وفي 30 يناير 2017 خلال القمة الثامنة والعشرين لـ”الاتحاد الإفريقي”، كان الملك محمد السادس نفسه هو الذي احتفل بعودة بلاده إلى الاتحاد الإفريقي.
“ما أجمل يوم عودتنا إلى الوطن بعد غياب طويل! ما أجمل ذلك اليوم الذي يحمل فيه المرء قلبه نحو وطنه الحبيب (..) أخيراً أعود إلى بيتي وألتقيكم سعيداً%. والرباط لن تتوقف عند هذا الحد. ففي العام نفسه، طلبت الرباط، وكذلك نواكشوط وتونس، العضوية في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، ولم يكن ذلك مفاجئا عندما نعلم أن محمد السادس، منذ اعتلائه العرش عام 1999، زاد من انفتاحه على إفريقيا. ويتجلى هذا الاهتمام في الرحلات الأربعين التي قام بها محمد السادس، منذ اعتلائه العرش، إلى جهات إفريقيا الأربع، ناهيك عن الاجتياح الاقتصادي للشركات المغربية في القارة، أو الانفتاح الجيوسياسي مؤخرًا على دول الساحل.
وتخلص مجلة “جون أفريك” إلى أن هناك دلائل كثيرة اليوم على وجود قوة ناعمة مغربية تجاه القارة، والتي لم يتوقف الملك أبدا عن ترسيخها، وربما يفسر ذلك باعتباره رد فعل على الموقف الانعزالي المتزايد في أوروبا المتوتر بشأن قضايا الهجرة.
نور الدين اليزيد
عن جون افريك