قبل سنوات خلت، ظهرت بالمغرب تنسيقيات “مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات”، لكن هراوات السلطة لاحقتها في كل مكان، وجعلتها تختفي بعد احتجاجات متفرقة طالت فواتير الكهرباء والسكن، وتدني خدمة النقل الحضري والتطبيب، وسوء تدبير بعض المرافق.
اليوم، وبعيداً عن تهمة العدمية التي باتت تُلصق بكل من يشير بأصبعه إلى المنغصات الكثيرة والمجانية التي نتجرعها كل يوم، وفي أتفه المواقف، لابد أن نعترف بأن التدهور وصل مداه، وأننا صرنا محاصرين في تجمعات بشرية هائلة ومزدحمة تحمل ظلماً اسم المدن.
تجمعات تغرق في كل أشكال الفوضى والتلوث، الذي يتجاوز معناه التقليدي المحصور في النفايات، ليطال مجال السمع والرؤية والتنفس، بعد أن أصبح الضجيج يسكننا، والبشاعة تلاحقنا في كل مكان، داخل مدن تغرق في زحمة السير وفي جميع أشكال البداءة، وأشغال الترقيع والحفر التي لا تنتهي.
مدن بدون خدمات، لكنها تغرق في المزيد من الإسمنت والعمارات التي تنبت تباعاً دون رقيب. مدن بلا مواصلات تراعي الكرامة، وبمستشفيات صورية، ومرافق عمومية باهتة في شكلها وطبيعة خدمتها، وبدون فضاءات أو ترفيه، لكنها تحافظ باستمرار على أسواق عشوائية تعج بالغلاء، وشوارع تنتج الجريمة، وتنوب عن المدرسة في مهمة “التربية” التي أبدعت لنا “جيل الضباع”.
النتيجة أننا بتنا نعاني من اختناق مزمن يسعى البعض لتكريسه بالمزيد من الإجراءات والتدابير المستفزة، التي ستخلق حتماً المزيد من العبث والفوضى والارتباك، وستزيد من إحساس المغاربة بـ”الطجة” في بلد يعاقبهم بسادية غريبة، ويصادر قيمتهم كأفراد، وحقهم في العيش الكريم في مجال يراعي أبسط مقومات التمدن.
يحدث هذا في بلد يعج بالمؤسسات والمسؤولين ممن يتقاضون رواتب سمينة، ويحصلون على امتيازات سخية، فيما شريحة واسعة من المغاربة تتقاسم الآن حالة “السخط” المتفاقمة، التي من حقنا أن نتساءل عن الهدف من وراء النفخ فيها، والسعي لتأجيج نارها عبر سلسلة من القرارات الغبية، التي ستزيد من غضب الناس، واقتناعهم بأن حال هذا البلد لن ينصلح إلى يوم القيامة.